Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
1 - افتتاحيّة السِفر وآخر مواعيد المسيح
(1:1 - 8)
1:1اَلْكَلامُ الأَّوَلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ،2إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ.


كَتب كثيرٌ مِن النّاس كتباً شتّى ولو رصفناها جميعاً لصارت جبلاً ضخماً كبيراً، يحترق ملتهباً في غضب الله، لأنّ كلّ كلام النّاس باطل مستكبر فارغ.
ولكنَّ الكتابين اللَّذَينِ كتبهما الطبيب لوقا، سيسطعان يومَ الدين ببهاءٍ يفوق بريقَ الشّمس ولا يزولان، بل يرتفعان عالياً أمام عرش الله، لأنّ البشير لوقا وصف في كتابه الأوّل أعمال وكلام المسيح، علماً أنّه ذكر عمله قبل أقواله، لأنّ المسيح ما جاء معلماً فقط، بل مخلّصِاً للعالم أجمع، فإيّاه أراد البشير أنْ يمجّد؛ وأرانا كيف تاب الخطاة قرب يسوع معترفين بخطاياهم، ومتبرّرين بإيمانهم في نعمة الرّبّ، كما اختبر اللصّ الّذي صُلِب مع يسوع، حين دخل مع يسوع مباشرة نعيم الفردوس. فإنجيل لوقا هو كتاب الفرح العظيم، مثلما بشّرنا الملاك عند ميلاد الطفل في المذود، لأنّ الرّبّ نفسه تجسّد إنساناً، ليطلب ويخلّص ما قد هلك. ونحن نشهد اليوم، شاكرين الله، أنّ كثيرين مِن النّاس قد خلصوا بواسطة إنجيل لوقا، وأنّ أحرفه السوداء هذه، تنبع منها قوّة الحياة الأزليّة إلى عقول وقلوب المؤمنين.
وقد اختبر ثاوفيلس، الموظّف الروماني العالي الشَّأْن، هذا الخلاصَ العجيبَ مِن المسيح، فَوكل إلى صديقه الطبيب لوقا اليوناني، أنْ يجمع كلّ التفاصيل عن حياة يسوع الناصري، ويدوّن تاريخ انتشار بشرى الخلاص في الإِمبراطوريّة الرومانيّة بدقّة، لأنّ الوالي الروماني لم يكتفِ بالشّعور العاطفي، بل أراد أسساً تاريخيّةً لإيمانه الحيّ؛ فكتب لوقا، الرَّجلُ المثقَّفُ كتابَيه لهذا الوالي ليثبّته في حياته الرّوحيّة، وليجهّزه كمؤمن لوظيفته كخادم مهمّ في الدّولة الرومانيّة؛ فشهد له ألاّ رجاء لعالمنا القلق إلاّ في المسيح يسوع الحيّ.
كلّ دول عالمنا تزول، وكلّ الفلاسفة باطلون، حتّى ولو قدّموا لنا أبنية فكريّة مِن عقولهم العبقريّة؛ فإنّ المسيح لم يبنِ مملكته على ذكاء مفكّرين بارزين، ولم يستند إلى قدرة جيوش جبّارة، بل اختار أناساً عاديين وصيّادين غير مثقّفين ودعاهم رسلاً؛ وهذا الاختيار للبسطاء يعني رفضَ كلّ ما هو كبيرٌ وقويٌ وذكيٌ في العالم، لأنّ الله يقاوم المستكبرين، وأَمَّا المتواضعون فيعطيهم نعمةً.
وهذا ينسجم تماماً مع مقاصد الرّوح القدس الّذي يقوّي غير المقتدرين ويحيي الفانين. ولم يحقّق المسيح كلّ أعماله مستقلاً، بل دائماً في الوحدة مع الرّوح القدس، ثابتاً في مشيئة أبيه؛ لأنّ الله الآب والرّوح القدس والمسيح يسوع وحدةٌ كاملةٌ أكثر مما نعرف ونعلم، والثَّالوث القدّوس قد عزم منذ الأزل أنْ يبني كنيسته وسط العالم الضال، وينشر السّماء بين أموات الأرض. وتاريخ خلاص الله هذا ابتدأ بدعوة الرسل حيث دعاهم المسيح ودرّبهم وفوّضهم لتبشير النّاس؛ والبشير لوقا هو الوحيد الّذي وصف حركة هؤلاء المنطلقين، لأنّه قد أدرك أنّ قوّة محبّة الله، الحالَّة في الصَّيَّادين البسطاء، هي المعجزة الجديدة في العالم، والرَّجاء الحقّ لمستقبل أفضل.
والتمهيد لهذه المعجزة كان أنّ المسيح المُقام مِن بين الأموات لم يبقَ بين تلاميذه في العالم، ليدبّر كملك انتشار ملكوته بطريقة استراتيجيّة منظّمة، بل صعد إلى السّماء؛ فلم يخف الرّبّ ويضطرب خوفاً مِن خطأ يقع فيه الرسل، لأنّه عرف أنّ الرّوح القدس سيحلّ فيهم مكمّلاً عمله؛ وقد صعد إلى السّماء مطمئناً، وارتفع إلى أبيه، وجلس عن يمين المجد واحداً ومالكاً معه، وبانياً في العالم الشرّير كنيسته المقدّسة، غالباً كلّ القوى المضادة لله، ومخلّصاً ملايين النّاس؛ فبهت لوقا مِن أعجوبة نموّ ملكوت الله المستتر على الأرض، ووصف في كتابه الثاني هذه الحركة مِن نقطة انطلاقها أورشليم إلى هدفها روما.

الصَّلَاة
أيّها الرّبّ يسوع المسيح الحيّ، نسجد لك، ونبارك محبّتك ومجدك العامل مستتراً في كنيستك حتّى اليوم. نشكرك لأنّ لطفك قد وصلنا أيضاً. علّمنا أن ندرك أعمالك في أعمال الرسل الكرام، وأن نعظّمك في تنفيذ أفكارهم في حياتنا العمليّة تعظيماً كثيراً.
السُّؤَال
ماذا كان مضمون الكتاب الأوّل للوقا، وما الّذي كتبه في الثاني؟