Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
15:6فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ لِيَنْظُرُوا فِي هذَا الأَمْرِ7فَبَعْدَ مَا حَصَلَتْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ، قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ:"أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ اخْتَارَ اللّهُ بَيْنَنَا، أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ الأُمَمُ كَلِمَةَ الإِنْجِيلِ وَيُؤْمِنُونَ8وَاللّهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِياً لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضاً9وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ10فَالآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ اللّهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلامِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلا نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟11لكِنْ بِنِعْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ كَمَا أُولَئِكَ أَيْضاً"12فَسَكَتَ الْجُمْهُورُ كُلُّهُ وَكَانُوا يَسْمَعُونَ بَرْنَابَا وَبُولُسَ يُحَدِّثَانِ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَ اللّهُ مِنَ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ فِي الأُمَمِ بِوَاسِطَتِهِمْ.


بعد الاجتماع العام الّذي انعقد بحضور جميع الأعضاء، اجتمع مرّة ثانية عمداء الكنيسة في اجتماع مغلق، ليجدوا في الصّلاة والتعمّق في التوراة والأنبياء توضيحاً لمسألة الناموس (الشريعة) والإنجيل. وكانت الجلسة حاميةً طويلةً، لأنَّ الفرق بين مطاليب العهد القديم وهبات النّعمة في العهد الجديد كبير، ومَن لا يدرك حقيقة هذا الفرق، تكون قراءته للكتاب المقدّس سطحيّة. ولكن الحمد لله، ففي نهاية البحث قام بطرس، الّذي أظهر أنّه المقدام الحقّ للرسل، بشهادته في إرشاد الرّوح القدس، وإعلانه أسس خلاصنا، فأكَّد أن الله لم يستخدم بولس، بل استخدمه هو أولاً لتنفيذ مشيئته في إبلاغ الإنجيل للأمم، فآمنوا؛ وحسن إيمانهم لم يكن تصديقاً نظرياً فقط، بل كان إيماناً حقّاً بتسليم القلب إلى يسوع نهائيّاً وقبول خلاصه على الصّليب.
والله هو العليم العارف القلوب والمثبت الإيمان بيسوع بشهادة، ختم روحه. فكلّ مؤمن حقّ بالمسيح ينال مِن الله شهادة واضحة، غير مكتوبة على ورق فان، بل قد كتبت بالرّوح القدس الحال في قلوب الّذين يحبّون يسوع، كما كتب بولس إلى أهل أفسس: إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدّوس.
ولا يوجد نوعان مِن الرّوح القدس فمَن يتعلّق مِن اليهود بيسوع الحيّ، يعش بالقوّة نفسها كالمؤمنين مِن الأمم، فلا يوجد فرق بين المؤمنين بالنسبة إلى العنصر والجنس والعمر والثقافة والملك. الجميع واحدٌ في المسيح، لأنّنا جميعاً حسب طبيعتنا خطاة، كما أنّ جميع المؤمنين يتبرّرون أو يتطهّرون بدم المسيح. والرّوح القدس لا يحلّ في إنسان بدون تطهير تام، لأنّ روح الله والخطيئة لا يجتمعان في القلب معاً، فمَن يسكن فيك، المسيح أَم الشرّير؟
واصل بطرس شهادته عن عمل الله الحرّ، وسمّى كلّ الناموسيين (الشريعيين) مجربين الله، الّذين يضادّون قصد عزمه، لأنّ القدّوس قصد أن يفدي الأمم بدون الناموس (الشريعة). فمَن مِن الخلق يستطيع أن يمنعه مِن تنفيذ إرادته؟ إنّ محبّة الله أعظم مِن عقولنا.
في هذه المعرفة سمّى بطرس الناموس (الشريعة) نيراً ثقيلاً قد حرَّرَنا يسوعُ مِنه بواسطة قوله: تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. فمَن قصد إتمام ناموس (شريعة) موسى بقدرته الخاصّة ينسحق مِن استحالة وصيّة الله: كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس. ليس إنسانٌ يستطيع أن يقدّس نفسه على درجة الله. فالناموس (الشريعة) يسحق مَن يطلب القداسة سَحْقّاً تامّاً. فالمسيح حرّرنا نهائيّاً مِن نير العهد القديم، ووضع على عنقنا نيره الخاص الهيِّن، لأنّ المسيح نفسه يحمله معنا. لا نستطيع العيش بدون نير إلهي، لأنّ النّير يرمز إلى شركتنا مع الله والمسيح. فنحن متّحدون معه بالعهد الجديد، الّذي هو النّير الهين، فنذهب حيث يذهب هو، ونقف حيث يقف هو، وبشركته معنا يغيِّرنا بواسطة تواضعه ووداعته.
وقد أوضح بطرس للناموسيين (للشريعيين) في القدس، أنّه ليس آباؤهم الأتقياء ولا هو ولا هم جميعاً بحافظي الناموس (الشريعة) عمليّاً، لأنّنا كلّنا ضعفاء أشرار وغير مستحقّين الشركة مع الله. هكذا شهد عن نفسه بالشرّ والبعد عن الخير، ومَن لا يدرك هذا المبدأ فإنّه لم يدرك المسيح بعد، وهو لا يزال واقفاً في العهد القديم على رِجْلٍ واحدة، ويحاول بِالرِّجل الثَّانية فقط دخولَ العهد الجديد. وبعد هذا الاعتراف وصل بطرس إلى قمّة كلّ الأقوال في العهد الجديد، وشهد في جلاء الرّوح القدس بشعار كنيسة المسيح. فليس بواسطة الأعمال ولا الصلوات ولا السلوك المستقيم، ولا التبرّعات والحج ولا بالختان والطقوس، بل بنعمة دم يسوع المسيح وحده، وفي أمانة شفاعته، نجد الحقّ لبرِّنا أمامَ الله، وننال القوّة الّّتي تدفعنا لممارسة المستحيل، بأن نحبّ أعداءنا متقدِّسين لخدمة الله، وأكثر مِن ذلك فإننا لا نؤمن أَنَّنا سَنُدانُ في اليوم الأخير على أساس أعمالنا، وإلاّ فسنهلك. إنّما نلقي رجاءنا بالتمام على النّعمة، فماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، متعلّقة فقط بنعمة الغفران ونعمة التقوية، ونعمة الكمال، فنشهد بابتهاج قائلين: ومِن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة.
بعد هذه الشهادة البطرسيّة المنقادة مِن الرّوح القدس، لم يتجرّأ أحد مِن الإخوة الفرّيسيين أن يتفوّه بكلمة واحدة. ولم يرد أحد مِنهم أن يكون مجرّباً لله، ولا تجرّأ منهم واحدٌ على ترك النّعمة والتمسّك بالناموس (بالشريعة)، أساساً للخلاص العتيد.
وبرنابا ثمّ بولس مِن بعده شهدا مرّة أخرى بتفاصيل عن موكب انتصار المسيح في آسيا الصغرى، وكيف أنّه أثبت إرادته الخلاصيّة بآيات ومعجزات باهرة. وكان بولس متحفّظاً في هذا الاجتماع، وترك المجال لبرنابا المحترم في هذا المحيط، ليخبرهم عمّا جرى لهما في رحلتهما التبشيريّة. وبهذه الشهادة قدّم برنابا آخر خدمة المحبّة تجاه بولس والكنيسة، وربطهما معاً لكيلا تصبح ثَمَّةَ كنيسة بطرسيّة في اليهوديّة، وكنيسة بولسيّة مِن الأمم.
والمسيح الرّبّ المُقام أرشد بروحه الرسل ليتقدّموا بجرأة. وحيثما لم تتمكّن عقولهم مِن استيعاب تفسير الناموس (الشريعة)، والتوفيق بين الآراء المتنافرة، فإنّه جعل ضمائرهم واختباراتهم في الرّوح القدس، مقياساً لقرارهم. فالرّسل لم يقسّوا قلوبهم لصوت الرّوح القدس، بل أطاعوا جذب العهد الجديد، وألقوا رجاءهم بالتّمام على النّعمة.
ملاحظة: هذه الجملة مِن الرسول بطرس، هي إحدى القمم في تطوّر سِفر أعمال الرسل، وبالحقيقة فإنّها محوره الرّوحي، كما أنّها في وسطه بالنسبة لمجموع كلمات السِفر. إنّ عدد الكلمات الّّتي قبلها مثل عدد ما بعدها في هذا السِفر الهام، وفي الوقت نفسه إِنَّ هذه الآية هي آخر ما نطق به بطرس في سِفر أعمال الرسل، وخُلاصَتُه وتاج عظته، ومِن الآن لا يذكر لوقا شيئاً عن سيرة بطرس في سِفره البتة، لأنّه قد أتمّ وظيفته كراعي الكنيسة، وأبرز إنجيل النّعمة نهائيّاً أساساً للخلاص الحق.

الصَّلَاة
أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نشكرك لأنّك أرشدت في هذا المؤتمر الحاسم قلوب الرسل، ووضعت شعار الإنجيل نوراً على سارية منارة كنيستك. ساعدنا حتّى لا نرتدّ إلى الناموس (الشريعة) اليهودي، ونحاول تبرير أنفسنا بأنفسنا، بل نتقدَّم بثقتنا في دمك، إلى عرش النّعمة يوم الدَّينونة الأخيرة، لأنّ روحك القدّوس يعطي شهادةً لروحنا، أَنَّنا أولاد الله باسمك.
السُّؤَال
ما هي العبارة الّّتي قالها بطرس، وهي شعار عظته، ولماذا اعتبرتها كنيسة المسيح أساساً للخلاص؟