Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
17:22فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ وَقَالَ: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِيُّونَ، أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيراً،23لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ، وَجَدْتُ أَيْضاً مَذْبَحاً مَكْتُوباً عَلَيْهِ: "لإِلهٍ مَجْهُولٍ" فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ، هذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ24الإِلهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لا يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي،25وَلا يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ، إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ26وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ،27لِكَيْ يَطْلُبُوا اللّهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً28لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ29فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللّهِ لا يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ.


أثينا مدينة جميلة لطيفة، ولكن أورشليم أعظم. الأكمة حول أثينا والسهول والبحر تنسجم كنغمة بديعة، ولكنّ أورشليم تشبه مذبحاً محاطاً بأكمة جبال الدَّينونة والنّعمة. لقد وقف بولس وسط محور الفن اليوناني في مركز الثقافة الأثينيّة في فيء الجبل المؤلّه "البرتنون"، وكافح لأجل الله الواحد الخالق القدير الضابط الكلّ. ولم يكرز بولس بالمسيح المصلوب، لأنّ مستمعيه لم يفهموا الغفران ولم يطلبوه. فلم يبيّن بولس أسس إيمانه كلّها، ولا استجاب لطلب النّاس والظروف المحيطة، ولم يعترف بأفكاره الرّوحيّة المحجوبة عن المستمعين، إنّما بشّرهم ليخلّصهم، وابتدأ مِن أول درجة، وهي مخافة الله بدء الحكمة فحاول المبشّر الحكيم أن يُحرِّرَ الأثينيين مِن الاعتقاد بالآلهة الكثيرة، ليقودهم إلى وحدانيّة الله، وإلى المسؤوليّة أمامه، فيبتدئوا يسألون مشيئته تائبين مرتجفين مِن شخصيته القدّوسة.
ولم يدن بولس الفلاسفة المتعلّمين لأجل جهالتهم الرّوحيّة، بل ارتبط بتديّنهم السطحي، وأكرم مقاصدهم الصالحة، رغم أنّه استاء في صميم قلبه مِن آلهتهم الكثيرة. إِنَّ الرسول استطاع التَّمييز بين الأشخاص الضّالين وحالتهم الضّالة، فلم يرفض الضّال الطالب، بل قدّم له ضالته المنشودة. كلّ النّاس يشتاقون إلى الله، ولكنّهم لا يعرفونه، ولا يستطيعون التقدّم إليه لأجل خطاياهم.
وانتصب بولس وسط العباقرة المتخيّلين، وقال بجرأة إِنَّه عارف الإله المجهول والمستتر عنهم، والذي يبشّر به. إنّ في هذا لعجباً! لقد حاول اليونانيون إرضاء كلّ الأرواح والآلهة معاً، ولكي لا ينسوا أيّ إله لم يعرفوه، فإنّهم بنوا مذبحاً للإله المجهول، وقدّموا عليه ذبائح لحماية أنفسهم مِن غضبه. فبولس استخدم هذا المذبح الوثني كهمزة وصل بين وثنيتهم وإيمانه، ودلّ مستمعيه بواسطته على خالق الكلّ، الّذي يدير حتّى اليوم السماوات والأرض، الغيوم والأرواح، وتسكن في يديه البحور والفضاء والنجوم، حتّى إِنَّهُ أحصى شعرك أيضاً، كلّنا في حاجة ماسة في أيامنا التكنولوجيّة، أن نتعمّق في مجد وعظمة الله الخالق، لكي ندرك عمليّاً أنّ العلوم الحديثة، في الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء والفلك، ليست إلاّ تفاسير متواضعة لقدرته غير المحدودة. فالله الحيّ أعظم مِن عقولنا، وأعلى مِن قدرة إدراكنا، لأنّه هو خلق جمجمتنا الصغيرة. كلّنا مخلوقون، أمّا هو فروح خالق، وإنّنا منفصلون عنه لأجل خطايانا. هذه هي العلاقة الأساسيّة بين الإنسان والله. كلّنا نحتاج إلى معرفة الله الخالق مِن جديد، وتوجيه أفكارنا إليه، لكيلا نؤلّه العلوم والتكنولوجيا والنّاس والمال، وننسى الله الحقّ الواحد.
والله العظيم غير محتاج لا إلى العبادة، ولا إلى الذبائح. فهو قدّوس وعظيم في ذاته، غير متعلّق بعون النّاس، ولا يطلب غذاء ولا ذبائح، وليس هو بمحدود ومحبوس في هياكل وكنائس ومعابد، وليس روحه متحجّراً في أصنام أو حجارة غريبة. إنّ إلهنا حرّ ومجيد ويحقّق مقاصده في خلق الحياة باستمرار في النّاس والحيوانات والنبات، وحتّى النجوم الجديدة فإنّها تتكوّن بمشيئته مِن غازات ضبابيّة نوريّة، ثم تتكاثف مادة صلبة. فمَن يكرم الخالق يؤدّي أوّل واجب تجاهه. وشكرنا وسجودنا لا بدّ منهما إن أدركنا مجده. وهكذا حاول بولس تحرير مستمعيه مِن الإيمان بأصنام ذهبيّة وهياكل مرمريّة، وقادهم إلى الله الخالق العظيم.
وأشار الرسول بعدئذ إلى ضابط الكلّ، الّذي يتدخل في تاريخ الشّعوب. لقد خلقنا مِن آدم، وأعطى لكلّ أمة وصايا، وطوّر الشّعوب رغم سلطة الخطيئة الساكنة في أجسادهم. ولكن مَن يحفظ شريعته يبقى. أمّا مَن يترك الله، فيغرق في رفاهيّة الأنانيّة. إِنَّ الله الرحوم يعطي كُلَّ عشيرة وكُلَّ شَعبٍ زمناً للتأمّل وتحقيق المواهب والنجاح، ويحدّد لهم حدود مسكنهم. ولكن مَن يفقد احترام الله يفقد حقوقه الإنسانيّة أيضاً. فأهمّ واجب لكلّ الشّعوب هو أن يطلبوا الله ويجدوه، لأنّ هدف طموحنا ليس المال أو الشرف أو السّلطة أو العلم، بل الله الحيّ نفسه فكلّ إنسان غير متّجه نحو الله هو ضالّ. فهل تطلب ربّك أم تدور حول نفسك؟ هل تركض وراء أهداف فانية أَم تثبت في معطي الكلّ؟ إنّه خالق الحياة يوميّاً، ويدير الشّعوب حسب أخلاقهم.
والله العظيم لا يجلس على غيوم السّماء، ولا يحلّ في هياكل حجريّة، لأنّه روح، وهو موجود في كلّ مكان، فليس هو غائباً بعيداً عنا مستحيلاً الاقتراب منه، بل هو قريب إلى جانبك، ويسمع كلّ كلمة مِن كلماتك، ويعرف أفكارك، وضميرك مكشوف أمامه، وتظهر كلُّ بقعة فيه، كما يظهر هيكل الإنسان في جسده أمام الأشعة الكهربائيّة بآلة الطبيب. ولا تستطيع أن تخفي شيئاً عنه، وضميرك يعلن خطاياك.
ومَن يدرك تقارب الله منّا ونحن خطاة، ويشعر مرتعباً بمحبّة الله يسجد للذي خلقنا على صورته. واستخدم بولس لتوضيح هذه العلاقة المبدئيّة بين الله والنّاس كلمة مِن الفلسفة اليونانيّة "إنّنا ذريّة إلهيّة". هذه الجملة رهيبة، فمصدرنا ليس العدم ولا المادة وحدها ولا الشرّ مطلقاً. إِنَّنا آتون مِن الله، ونحن فيه، وهو هدف سيرنا فينبغي أن تتوجّه أفكارنا إلى الله فقط، وإلاّ نحن خطاة. وليست تماثيل الفن، ولا الأبنية الفخمة المتلألئة بالذّهب في أشعة الشّمس، وليست أنظمة الأفكار الفلسفيّة هي دلالة على مجد الله في الدنيا، إنّما كلّ إنسان هو مِن ذرّية العلي، ومدعو ليحقّق صورته.

الصَّلَاة
أيّها الإله القدّوس، لقد خلقت الكون، وتحفظه في صبرك. فيك نعيش وبرحمتك نستمرّ. نشكرك لعظمة محبّتك. أرشِد أفكارنا دائماً إليك.
السُّؤَال
ما هي الأفكار الثلاث في أوّل جزء مِن عظة بولس عن الله أمام فلاسفة أثينا؟