Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
4 - ثورة صاغة الفضّة في أفسس
(19: 23 - 41)
19:23وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ شَغَبٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بِسَبَبِ هذَا الطَّرِيقِ،24لأَنَّ إِنْسَاناً اسْمُهُ دِيمِتْرِيُوسُ، صَائِغٌ صَانِعُ هَيَاكِلِ فِضَّةٍ لأَرْطَامِيسَ، كَانَ يُكَسِّبُ الصُّنَّاعَ مَكْسَباً لَيْسَ بِقَلِيلٍ25فَجَمَعَهُمْ وَالْفَعَلَةَ فِي مِثْلِ ذلِكَ الْعَمَلِ وَقَالَ:"أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ سِعَتَنَا إِنَّمَا هِيَ مِنْ هذِهِ الصِّنَاعَةِ26وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَتَسْمَعُونَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفَسُسَ فَقَطْ، بَلْ مِنْ جَمِيعِ أَسِيَّا تَقْرِيباً، اسْتَمَالَ وَأَزَاغَ بُولُسُ هذَا جَمْعاً كَثِيراً قَائِلاً: إِنَّ الَّتِي تُصْنَعُ بِالأَيَادِي لَيْسَتْ آلِهَةً27فَلَيْسَ نَصِيبُنَا هذَا وَحْدَهُ فِي خَطَرٍ، مِنْ أَنْ يَحْصُلَ فِي إِهَانَةٍ، بَلْ أَيْضاً هَيْكَلُ أَرْطَامِيسَ - الإِلهَةِ الْعَظِيمَةِ - أَنْ يُحْسَبَ لا شَيْءَ، وَأَنْ سَوْفَ تُهْدَمُ عَظَمَتُهَا، هِيَ الَّتِي يَعْبُدُهَا جَمِيعُ أَسِيَّا وَالْمَسْكُونَةِ"28فَلَمَّا سَمِعُوا امْتَلأُوا غَضَباً، وَطَفِقُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:"عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ"29فَامْتَلأَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا اضْطِرَاباً، وَانْدَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى الْمَشْهَدِ خَاطِفِينَ مَعَهُمْ غَايُوسَ وَأَرِسْتَرْخُسَ الْمَكِدُونِيَّيْنِ، رَفِيقَيْ بُولُسَ فِي السَّفَرِ30وَلَمَّا كَانَ بُولُسُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ الشَّعْبِ لَمْ يَدَعْهُ التَّلامِيذُ31وَأُنَاسٌ مِنْ وُجُوهِ أَسِيَّا - كَانُوا أَصْدِقَاءَهُ - أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ لا يُسَلِّمَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَشْهَدِ32وَكَانَ الْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَالْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ، لأَنَّ الْمَحْفَلَ كَانَ مُضْطَرِباً، وَأَكْثَرُهُمْ لا يَدْرُونَ لأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعُوا!33فَاجْتَذَبُوا إِسْكَنْدَرَ مِنَ الْجَمْعِ، وَكَانَ الْيَهُودُ يَدْفَعُونَهُ فَأَشَارَ إِسْكَنْدَرُ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجَّ لِلشَّعْبِ34فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، صَارَ صَوْتٌ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمِيعِ صَارِخِينَ نَحْوَ مُدَّةِ سَاعَتَيْنِ:"عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ!"


عزم بولس على الذهاب إلى أورشليم، ولكنّه تباطأ وبقي في آسيا، وقد شاء الرّبّ أن يلقّنه درساً صعباً في الكفاح مع الأرواح وامتحان إيمانه.
كان في أفسس هيكلٌ مشهور للإِلهة أرطاميس، وقد انتصب بمئة وستين عموداً مرمريّاً، على علو تسعة عشر متراً. وكان تمثال الإِلهة مصنوعاً مِن خشب أسود متين. وكان بولس، خلال السنتين اللّتين أقام بهما في أفسس، قد علم أهلها أن كلّ الآلهة باطلة، وأنّ الهياكل فارغة وبدون معنى، فامتنع المؤمنون بالمسيح عن الاشتراك بالطّقوس الأرطاميسيّة، وهزّوا رؤوسهم إشفاقاً على الّذين اتّكلوا على أصنام مصنوعة مِن حجر وخشب مذّهب.
وهذا الابتعاد عن الاعتقاد بالآلهة المتحجّرة، سرعان ما لاحظه بائعو التحف والأيقونات والصّاغة، الّذين كانوا يصنعون هياكل فضّيَّة مصغّرة مِن هيكل أرطاميس العظيم، ويبيعونها للحجّاج بربح كبير، وفي وادي النيل وبلاد الهند اكتشفوا في هذه الأيام بعضاً مِن هذه النماذج الأرطاميسيّة الفضيّة، الّّتي كان السيّاح يشترونها لحماية أنفسهم، ويأخذونها معهم إلى بلادهم. ولكن منذ أعلن بولس أنّ المسيح هو ربّ الأرباب، اضمحلَّتْ أرزاق هؤلاء الصيّاغ، لأنّ كلّ متجدّد يعرف أنّ الكتابة والخرز وكلّ ما يستعمله النّاس للحماية والحفظ ليس إلاّ خزعبلاتٍ وكذباً وخِدَاعاً بلا قوّة.
عندئذٍ جمع أحد الصَّاغة، وهو موظَّفٌ في الهيكل أيضاً، واسمه ديمتريوس، كلّ شركائه ووضّح لهم خطر الحالة، وأنّ الجوع متربِّصٌ بهم، لأنّ بولسَ جذب في بلدهم وسائر البلاد الآسيويّة النّاس مِن التقاليد وإيمان الآباء، قائلاً إِنَّ كُلَّ الأصنام والصُّوَر ليست إلاّ هباء باطلاً.
وفهم ديمتريوس زعيم الصيّاغ، أنّه ليست فقط النماذج المصغرة للهيكل باطلة عند بولس، بل أيضاً الهيكل برمّته، مما يُلحِقُ الخطرَ بالمدينة كلّها، لأنّ زعامتها الدينيّة تضمحل واقتصادها يخرب، فاعتُبر بولس العدُوَّ الأكبر لمدينة أفسس العاصمة.
فجنّ الصنّاع العاملون في الصياغة، وانطلقوا راكضين متظاهرين علناً صارخين تأييداً لعقيدتهم "عظيمةٌ هي أرطاميسُ الأفسسيين". ولمّا وجد الهائجون زميلي بولس خطفوهما، ولكن لم يصبهما ضرر، لأنّ يد الرّبّ حمتهما وسط الهيجان. لم يكن بولس جباناً، وأراد تأييد زميليه، فقام للمبادرة إليهما، ولكنّ التلاميذ المجتمعين للصّلاة أخذوه ومنعوه، عالمين ألاّ معنى للقول والشهادة أمام جمهور أسكرته التخيّلات وتملّكه الغرور، فراح يتدفّق كنهر كبير مخيف وسط الشوارع. ففي مثل هذه التيّارات الصاخبة يفقد الفرد شخصيته وتفكيره لمدّةٍ ما، ويلتحم الجميع في روح واحد يدفعهم بلا روّية. فقد صاروا نفساً واحدة، ليس للخير بل للخراب، وحدة شرّيرة حسب الرّوح الّذي حلّ فيهم.
ولعلّ بولس الجريء كان رغم ضغط أتباعه عليه مزمعاً أن يدخل إلى المدرج، حيث يجتمع الشعب في الملمات والأفراح عادة. وكان هذا المكان يسع خمسة وعشرين ألف شخصاً، وقد أرسل فجأة المسؤولون عن الهياكل في العاصمة وسائر آسيا الصغرى خبراً لبولس، مفاده أنّ حضوره إلى المدرج الممتلئ بالنّاس الساخطين عليه لا ينفع البتّة بل يضرّ، وألحّوا على بولس أن يبقى بعيداً عنهم، أمّا الشعب في ذلك المدرج فكان يصرخ، وديمتريوس مسبّب هذا الهيجان اختفى، لأنّ المظاهرة لم تتمّ بإذن مِن البلديّة، وكان كلّ هيجان شعبي ممنوعاً مِن حكام الرومان ونظام البلدة، فخاف ديمتريوس مِن القصاص، والجمهور المجنون هاج بلا قائد في المدرج الواسع.
عندئذ ابتدأ اليهود المبغضون لبولس، يدفعون يهوديّاً آخر إلى الأمام، وكان على الأغلب مسيحيّاً، ليدافع عن بولس والكنيسة، فقبض الجمهور على هذا الشاب اسكندر كذبيحة مقبولة، ورفعوه إلى المنبر في وسطهم. لقد حاول التكلّم لأجل الكنيسة، لكن سرعان ما أدرك الجمهور أَنَّ المتكلّم لم يكن بولس نفسه، بل كان يهوديّاً آخر. فانفجروا وصَبُّوا حقدهم على اليهود في شخص اسكندر هذا، وزمجروا مدّة ساعتين كاملتين بعقيدة إيمانهم صارخين: عظيمة هي أرطاميس الأفسسيين.
واليوم لا يعرف أحد هذه الإِلهة أرطاميس، فكان ديمتريوس الصَّائغ على حقّ، إذ قال إنّ شهرتها ستزول بسبب انتشار الإنجيل. ولكن آنذاك في ذلك الموقف كان عشرات الألوف مستعدّين، في سبيلها، أَن يُمزِّقوا اسكندر قطعاً وإرباً. فصلّت الكنيسة وبولس لأجل هذا المتضايق ورفيقيه الاثنين، وبسط الرّبّ يده فوق شهوده، حتّى لا تتطاول عليهم أيدي الحاقدين، فلم يصيبوا شعرةً مِن رؤوسهم. إلاّ أنّ الهواء ارتجّ مِن صراخ الجماهير المتصرفة كوحوش ملتحمة بروح شرّير.
أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نشكرك لأنّ جيش ملكوتك الرّوحي أقوى مِن جنود الشيطان. لم يسقط أحد مِن أولادك وسط الجماهير الهائجة في أفسس. علّمنا الاتّكال عليك، لكيلا نخاف مِن إنسان أو روح، لأنّك اشتريتنا لله خاصّة بدمك الثمين.

السُّؤَال
لِم سخط الصائغ ديمتريوس على بولس؟