Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
7 - بنيان النُّفوس بخدمة الرُّسل
(2: 37 - 41)
2:37فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ الرُّسُلِ:"مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟" 38فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ:"تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.


لا يستطيع الرّوح القدس أن يحلّ في إنسان، إن لم يتب حقّاً ويرفض ماضيه؛ فكلّ خطيئة هي تعدٍّ على الله ومسيحه، ولهذا يكسر الرّوح القدس قبل حلوله فيك عصيانك وتمرّدك في قلبك، لتتحرّر لخدمة الله. ودينونة الرّوح القدس هذه هي في الوقت نفسه أعظم نعمة؛ فَمَن يقبل توبيخ الرّوح القدس ودينونته منكسراً لا يدخل الدينونة الأخيرة، بل قد اجتاز إلى الحياة الأبديّة اليوم.
فاليهود المتراكضون إلى بيت التلاميذ لسماعهم عاصفة الرّوح القدس الآتي، أُصيبوا بقوّة عظمة بطرس في صميم ضمائرهم، فرأوا أنفسهم واقفين أمام الله الحيّ، وأدركوا أنّهم قتلة ثوّار هالكون، فلم يحاولوا أن يبرِّروا ذواتهم، ولم يبحثوا عن حقيقة ذنبهم، بل تمتموا خائفين: ماذا علينا أن نصنع؟ وهذا السؤال يرينا أمرين: أوَّلاً العجز في الإنسان المصاب مِن روح الله والضائع والّذي لا يجد منفذاً ولا حلاً، فتتزعزع ثقته بنفسه تماماً، كما اختبر بطرس عند صياح الديك.
ثانياً: لا يدرك الإنسان المنكسر، مَنْ هو الله وماذا يعمل لأجلنا، بل يتمتم مضطرباً مِن شعور قلبه: ماذا أصنع أنا لأخلص؟ هذا رغم شعوره بأنّه لا يستطيع أي عمل لإنقاذ نفسه، فأمام القدّوس تظهر أعمالنا باطلة نجسة، وكلّ إنسان هو ملتوٍ مِن أساسه، إذ يريد أن يعمل كلّ شيء مِن تلقاء نفسه، ولا يسمح لله أن يخلّصه. فالإنسان الطبيعي يحاول إصلاح نفسه بنفسه، وتبرير ذاته، وفداء شخصه، ويريد إبراز قدرته الخاصّة إلى المنتهى؛ "فالأنا" الشرّير الفاسد يتمسّك بذاته حتّى في آخر لحظة مِن الدينونة.
ولكنّ الحمد لله، أنّ بطرس لم يُقدِّم للتَّائبين اقتراحات عما عليهم أن يعملوا، بل طلب إليهم التفكير والمعرفة الجديدة والإيمان بيسوع، فالانقلاب في الإنسان لا يتمّ بعضلاته أو عقله، بل في صميم ذهنه؛ فعلى تفكيرنا وشعورنا وإرادتنا بأكملها أن تتغيّر وتتجدّد، ليس كغسل الدماغ قسراً كما في البلدان الدكتاتوريّة، بل كما في العهد الجديد حيث ينفتح التائب طوعاً لقوّة الله المطهّرة، ويسمع كلمة رسل المسيح بالشوق والشكر.
وقال بطرس للمنكسرين: ارجعوا عن ذنوبكم واتركوا فداء أنفسكم، واعترفوا جهراً بفشل حياتكم وعصيانكم أمام الله. سلموا أنفسكم بين يدي القدّوس، فتنتهي أهدافكم وآمالكم وغاياتكم، وتسود مشيئة الله فيكم. فالرجوع يعني التفاتاً تامّاً في اتجاه حياتنا مِن الأهداف الدنيويّة وإكرام الأنانيّة إلى الله، لنصبح ملبوسين بمحبّته.
وبكلّ وضوح إِنَّ ذهابنا إلى الله يعني دينونة، والتفاتنا إلى القدّوس يأساً، فيحتاج التائب إلى حماية أمام الله، ولهذا اقترح بطرس على مستمعيه المعموديّة باسم يسوع المسيح، وهذا يعني انتحاراً روحيّاً للإنسان القديم الخاطئ، ودخولاً طوعيّاً إلى رحاب الفادي، فَمَن يعتمد في المسيح يشبه الإنسان الفاسق الّذي يغرق في الماء وينتهي، ويتجدّد بالنّعمة الإلهيّة ويخلق جديداً، وتنتشله نعمة الله وتقيمه إلى أكبر، الّذي هو برّ المسيح لتمجيد الله الآب. فالتطهير مِن الخطيئة في أعماق ضمائرنا هو الثمر الأوّل للمعموديّة؛ فَمَن يتّحد بالمسيح في الإيمان بواسطة المعموديّة، ويقبل خط اسمه غير المنظور على جبينه، يتقدّس بواسطة مصالحة ابن الله.
والنتيجة الثانية لمعمودية الإيمان هي قبول الرّوح القدس. فيوحنّا المعمدان علم بدقّة أنّ معموديته بماء التوبة هي رمز فقط، ولا تنفع شيئاً، إن لم نستعدّ لمعمودية المسيح فقال جهراً، الّذي يأتي بعدي هو أعظم مِنّي، وسيعمّدكم بالرّوح القدس والنار. ففي يوم العنصرة الأوّل كان الوقت قد حان لتتحقّق هذه اللحظة في تاريخ الخلاص: لقد عمَّد ابنُ الله بالرّوح القدس قتلَتهُ التَّائبين، الّذين آمنوا باسمه برمز معمودية الماء، لأنّهم انكسروا سابقاً تماماً، فدخلوا بالإيمان إلى رحابه. فإنّ محبّة الله تفوق كلّ العقل.
هل تعمّدتَ وحصلتَ على الرّوح القدس؟ إِنَّ ممارسة طقس التوبة الخارجيّة لا تؤمِّن حلول الرّوح القدس في المعمَّد، لأنّ المعموديّة لا تعمل كإبرة للمريض، كلا فإن الرّوح القدس يهب حيث يشاء؛ والمعموديّة بدون إيمان غير نافعة؛ فثبِّت معموديتك بواسطة إغراق أنانيتك في المسيح فيقوم هو فيك، ظاهراً في محبّتك، وتعيش معه إلى الأبد. هل تعرف علامات المعمّدين بالرّوح القدس، إنّها المحبّة والفرح والسّلام والصّبر واللطف والصّلاح والإيمان والوداعة والتعفّف؟ هل حصلت على هذه المواهب مِن الرّوح القدس؟

الصَّلَاة
أيّها الآب السماوي، نشكرك لأنّك قد سكبت موعدك على البشر، بواسطة ابنك الحبيب. نسجد لك ونحمدك، ونطلب أن يمتلئ كلّ مؤمن بروحك الطاهر. املأنا بمحبّتك وحقّك، لكيلا نتحاجّ في حقائق روحك القدّوس، بل نثبت في اسم ابنك الحنون.
السُّؤَال
كيف ننال الرّوح القدس وما هي الشروط لحلوله في المؤمنين؟