Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
20:33فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ34أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ35فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرّبّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ"36وَلَمَّا قَالَ هذَا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ جَمِيعِهِمْ وَصَلَّى37وَكَانَ بُكَاءٌ عَظِيمٌ مِنَ الْجَمِيعِ، وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ يُقَبِّلُونَهُ38مُتَوَجِّعِينَ، وَلا سِيَّمَا مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا: إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ أَيْضاً ثُمَّ شَيَّعُوهُ إِلَى السَّفِينَةِ.


لقد لخّص بولس تعليمه، خلال خدمته السنوات الثلاث في أفسس، وربّما كلّ تبشيره في الأناضول واليونان أيضاً، بهذه العظة الفريدة. وليس ممكناً أن نفسّر غنى هذه الأفكار في أسطر قليلة، لأنّ معاني هذه العبارات تكفي لعظات لمدّة ثلاث سنوات. فمِن الضروري أن تعيد قراءة الأصحاح 20 مِن العدد 17 إلى 38 لتستخرج الكنوز الكامنة في كلّ كلمة.
وللعجب لم يتكلّم بولس في نهاية عظته عن الأمور الرّوحيّة، بل عن المال، لأنّ في استعمال المال تظهر الرّوح. فلم يكن بولس مستعدّاً أن يقبل لمصلحته الخاصّة عطايا أو تبرعات، ولم يشته غنى أفراد الكنيسة، لأنّه احتقر ثروات هذه الدنيا الفانية، كما قال إنّه اعتبر كلّ شيء نفاية لكي يربح المسيح، فمات عن شهواته إلى الميول الماديّة والجنسيّة، لأنّه قد صُلب مع المسيح ودُفن وعاش لأجل الأمور السماويّة. ولأجل حاجات حياته اشتغل بولس بيديه، وكان مجتهداً وماهراً في مهنته، لأنّه طبّق أقواله على نفسه: "خادمين بنيّة صالحة كما للربّ ليس للناس" فربح مالاً فائضاً كفاه وكفى زملاءه معه، لقد أرى الأساقفةَ يديه بافتخار، لأنّ جلدهما كان خشناً مقشراً، وغليظاً مِن جراء التعب والإرهاق اليدوي، وقد اعتبر بولس هذه العلامات الواضحة شرفاً له، فلم يرفع أقلاماً رصاصيّة ولم يكتب كتباً ولا واحداً، بل اشتغل بيديه، وتكلّم بلسانه، وجال على قدميه مسافات طويلة. لقد قدّم جسده ذبيحة حيّة مرضيّة لله ومسيحه، وليس أفكاراً فقط.
وبولس لا يوافق على أيّ مسيحي متقاعس، ينتظر مجيء ربّه بكسل وفتور واسترخاء فيسقط بيته في الضّيق والجوع، لأجل تحمّسه الكسول. إنَّ بولس أضنى جسده ليلاً نهاراً في مهنته، ليربح وقتاً كافياً لتمجيد اسم ربّه.
وللعجب فإنّه لم يصرف ماله لسد حاجته وحاجة أصدقائه فقط، بل ضحّى لأجل الفقراء أيضاً. فالراتب الشهري أو الأجرة اليوميّة ليست لكفاية أنفسنا فقط، بل لنساعد ونخدم ونعطي ونضحّي، وقد قال المسيح الفقراء معكم في كلّ حين. والمرضى والضعفاء والأرامل والأيتام كثر، وهم ينتظرونكم، ولا تجدنَّ المسيحَ إلاَّ عندهم، لأنّه قال: كنت عرياناً ومحبوساً ومريضاً ومحتاجاً، ولم تزوروني ولم تكسوني، ولم تهتموا بي البتّة. فإلى متى تنتظر حتّى تبدأ بحياة التضحية والدخول إلى سبيل الخدمة؟ هل قلبك مِن حجر؟ أم إِنَّكَ ما زلتَ أعمى، ولا ترى المتضايقين؟
وخلاصة لأقواله أخبرنا بولس بكلمة مِن المسيح غير مسجّلة في الأناجيل، إنّما هي خلاصتها، وشعار لكلّ الرسائل البولسيّة وهي: مغبوط هو العطاء أكثر مِن الأخذ. فهذه الآية تعلن لنا عمق قلب الله، الّذي هو مغبوط ومسرور وفرحان، لأنّه يبارك باستمرار، ويعطينا خيرات على الدوام. وقد أتى المسيح ليضحّي بذاته لأجل الأثمة.
فمبدأ التضحية وبذل النفس للآخرين هو الأساس الرّوحي للمسيحيّة ومحبَّة الله تدفعنا إلى التبرعات والخدمة والنّشاط والحركة، ليس إرضاءً لأنفسنا، بل لأجل الآخرين غير المستحقّين لهذه المحبّة. وكما بذل المسيح نفسه فدية لكثيرين، هكذا يدعونا الربّ لنضحّي بأموالنا وأوقاتنا لنساعد النّاس، في عائلتنا ومهنتنا وكنيستنا وشعبنا. ولن تصبح مسروراً إن لم تضحّ بذاتك لله والنّاس. وهكذا أصبحت ذبيحة المسيح شعار الكنيسة وشعاراً لأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا. هل أنت مسرور في أعماق قلبك؟ أدرك إذاً الجملة الرسوليّة أنّه ينبغي أنكم تتعبون، وتعضدون الضعفاء. فلا بد مِن كلمة (ينبغي) وإلاّ لا تكون مسيحيّاً حقّاً و لا شيخاً ولا مسؤولاً في الكنيسة.
وما كان بولس فيلسوفاً نظريّاً، بل مصليّاً واقعيّاً. لا ثمار بلا صلاة. فالكلام الكثير لا ينفع والله وحده يبارك، ويبني. لقد جثا الرسول مع شيوخ الكنيسة، وصلّى مِن كلّ قلبه. هل قرأت مرَّةً الصَّلاةَ الرَّسوليَّة الّّتي نَبَعَتْ مِن صميم قلب بولس؟ اقرأ في رسالة أفسس الأصحاح 1: 3-14 و1: 17-23 و3: 14-21 واشترك في هذه الصَّلَوات الرَّسوليَّة بوعي وتفكير، فتدرك فقر أدعيتنا الخاصّة. اطلب مِن يسوع روح الصّلاة، لأنّ طلبة البارّ تقتدر كثيراً في فعلها.
أدرك الشيوخ أَنَّ هذه الصّلاة كانت الكلمةَ الأخيرةَ الّّتي سمعوها مِن فم بولس، ففاضت دموعهم شُكراً ومحبّةً، حزناً وألماً، فليس عاراً إن بكى الرجل في سبيل العواطف الطاهرة. وهنا انهلّت الدموع لأنّ رجل الله فتح الباب إلى السّماء لأجلهم، وخدم بتعب جسده بينهم، وكان مزمعاً أن يدخل الآن إلى الألم والضيق، فقبّلوه فرداً فرداً، علامة لعلاقتهم الشخصيّة في عائلة الله السرمديّة.

الصَّلَاة
أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نسجد لك ونشكرك لأنّ كلمتك تمنحنا ملء الخلاص والقوّة للمحبّة والتعزية في الرجاء. علّمنا أن نشتغل باجتهاد في المدرسة والمهنة والبيت، لكيلا نكون كسالى، بل نضحّي بأملاكنا وأوقاتنا للآخرين، كما بذلت أنت نفسك لأجلنا نحن الضّالّين آمين.
السُّؤَال
لِم كان العطاء مغبوطاً أكثر مِن الأخذ؟