Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
د - الشكوى على الشعب العنيد
(7: 51- 53)
7:51"يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ، وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ، أَنْتُمْ دَائِماً تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذلِكَ أَنْتُمْ52أَيُّ الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ، وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ الْبَارِّ، الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ،53الَّذِينَ أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ (الشريعة) بِتَرْتِيبِ مَلائِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ؟"


اعترف استفانوس بإيمانه الصحيح بكلمات حكيمة، وأَثبت أمانته للتقليد كيهودي متغرّب غير مثقّف بمدارس الفقهاء. فالله العظيم كان له إله العهد وإله الآباء المحترمين. وإبراهيم وموسى وداود كانوا له أشخاصاً مقدَّسين. واعتبر الشريعة وخيمة الشهادة كأشياء سامية. ولكنّ استفانوس، رغم اعترافه المستقيم، شعر أثناء عظته بالبغضة المميتة في المستمعين، لأنّه جرّب أن يوضح بشهادته المبنيّة على التوراة عناد شعبه واستكبارهم، وعدم استعدادهم للتوبة، فأرشده الرّوح القدس أخيراً إلى الهجوم، ليخلع عن وجوه الآباء الأتقياء والفقهاء المتزمّتين أقنعة ريائهم فأظهر لهم حقيقة قلوبهم، وهو الشاب غير المثقّف بالعلوم الفقهيّة والشرائع.
وهكذا دلّ استفانوس قضاته على حقيقة ضمائرهم، إنّهم رغم الختان الجسدي، لم يكونوا مختونين في أذهانهم وقلوبهم. فكسر بهذا البيان أحد الرموز لحضور الله معهم في العهد، لأنّ الختان كان دائماً في تقدير اليهود ارتباطاً مع الله، فمَن قال كلمة على الختان، فكأنّه انتقد الذات الإلهيّة.
وصارح استفانوس أولاد أمّته المتمرّدين بأنّهم معارضون لصوت الرّوح القدس، ولم يريدوا الإصغاء لله، فلم يستطيعوا بعد ذلك سمعاً وما أرادوه، لأنّ طبيعة قلوبهم كانت شرّيرة وغير منكسرة، وهكذا اعتبروا أنفسهم صالحين أبراراً، مثقفين ومقبولين عند الله، فاحتقروا كلّ دعوة للتوبة، وابتسموا لفكّرة إنكار الذّات وكان ألمهم وجرحهم كبيرين لمّا سمعوا كلمة القصاص الصارمة، الّّتي أنبأ بها سابقاً موسى وإشعياء وإرميا ويوحنّا المعمدان ويسوع لهزّ القلوب القاسية وإرجاع الرعيّة المبدّدة إلى راعيها، (سِفر الخروج 32: 9 و33: 3 وإشعياء 63: 10 وإرميا 9: 25 و6: 10) ولكنّهم لم يفهموا، ولم تلن قلوبهم القاسية، بل اغتاظوا غيظاً كبيراً.
فهل أنت فاهم كلمة القصاص هذه؟ إنّ قلوب النّاس لشرّيرة منذ حداثتهم. وقليلون يهتدون ويخضعون لهدى الله. فالإنسان في طبيعته ثائر حاقد، وطموحه هو أن يكون إلهاً صغيراً شهيراً، فيبغض خالقه و لا يطيعه ولا يسمع لكلمته أبداً.
وبهذا الرّوح الأشرّ اضطهد اليهود الأنبياء الصالحين، وعذّبوا الّذين بشّروهم بإرادة الله المعروفة: كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس. فالأنبياء الحقيقيون أصغوا بارتعاب إلى صوت الرّوح القدس منسجمين مع نبوّاته، معلنين مجيء مخلّص العالم البارّ المبرّر، الملك الإلهي، القادر على أن يغيّر كلّ القلوب الشرّيرة، والمنشئ مملكة السّماء على أرضنا المسكينة.
ولكنّ عند مجيء المسيح لم يخضع الأتقياء المراؤون له، ولم يدركه الكتبة المثقّفون فسمّى استفانوس اليهود خونة بالمسيح، لأنّهم أخطأوا هدف تاريخ الله بأمّتهم، وقتلوا ابن العلي ظلماً وعدواناً. فبهذه الشهادة تكلّم الرّوح القدس مرّة أخرى بكلّ صراحة، ونخس عقول رؤساء الكهنة ووجوه الأمّة، لكي ينكسروا ويتوبوا نهائيّاً. فالمجلس اليهودي لم يقتل ظلماً شابّاً مغموراً مِن الناصرة، بل أباد المسيح الموعود، هدف مختاري الله منذ البداية! فكان عمله هذا قمّة الثورة وتملّك الشياطين على الأرض.
ولم يكتف استفانوس باتهام أعضاء المجلس الأعلى كلّهم بالقتل والإجرام، كما صرّح الرسل بذلك مراراً، بل زاد استفانوس عليهم، أن طعن في صميم شرف الفرّيسيين وقال لهم: إنّكم لم تحصلوا على الشريعة مِن الله مباشرة، بل بواسطة ملائكة حصلتم مِنهم على أحكام ثانويّة وتفاصيل لا قيمة لها، ولا تقدرون على تمييز ما هو الأصيل ولا ما هو غير المهم. وزيادةً على هذه الشريعة اليهوديّة المشكوكة لم تحفظوا أصلاً ولا فرعاً، لأنّكم غير مقتدرين على حفظ الوصايا ولستم أبراراً، بل مذنبين ملعونين، لأنّ الّذي يسيء في فريضة واحدة، فقد أساء في الناموس (الشريعة) كلّه.
وبهذه الكلمات الحاسمة زعزع الواعظ استفانوس أسس البرّ في العهد القديم، لأنّ اليهود آمنوا أنّ الهيكل والختان والناموس (الشريعة) ويوم السبت، هي أركان العهد وأسراره، الّّتي ارتبط الله بها مع شعب إسرائيل. وها هوذا استفانوس يشهد جهراً لهم أنّ الهيكل فارغ، وقلوبهم غير مختونة، وناموسهم غير أصلي، وأَنَّهُم لم يحفظوا الشريعة بحقها. وكانت هذه الاتهامات كمثل جالس، وآخر يسحب الكرسي مِن تحته، فيسقط سقوطاً عظيماً. وقد شلّ الفزع أكثريّة المستمعين وجمّدهم، وبعضهم الآخر صرّوا على أسنانهم حقداً، كأنّ جهنّم التهبت في عقولهم.

الصَّلَاة
أيّها الإله القدّوس، اكشف قلبي واحفظني مِن كلّ خيانة، وعلّمني إطاعة الرّوح القدس، واغفر ذنبي، وانتشلني مِن الأفكار الثائرة ضدّ الله والنّاس، واختن قلبي، وغيّر ذهني، وامنحني أُذنَين سامعتَين، وخلّصني مِن نفسي، لكيلا أبغضك بل أحبّك، وأسلّم نفسي بين يديك إلى الأبد.
السُّؤَال
ما هي العبارات الهامّة الّّتي اتّهم بها استفانوس المجلسَ الأعلى؟