Skip to content

Commentaries
Arabic
أعمال الرسل
  
8:14وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ السَّامِرَةَ قَدْ قَبِلَتْ كَلِمَةَ اللّهِ، أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا،15اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلا صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ،16لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ17حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ18وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرُّوحُ الْقُدُسُ قَدَّمَ لَهُمَا دَرَاهِمَ19قَائِلاً:"أَعْطِيَانِي أَنَا أَيْضاً هذَا السُّلْطَانَ، حتّى أَيُّ مَنْ وَضَعْتُ عَلَيْهِ يَدَيَّ يَقْبَلُ الرُّوحَ الْقُدُسَ"20فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ:"لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاكِ، لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللّهِ بِدَرَاهِمَ21لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلا قُرْعَةٌ فِي هذَا الأَمْرِ، لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللّهِ22فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هذَا، وَاطْلُبْ إِلَى اللّهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ،23لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ"24فَأَجَابَ سِيمُونُ: "اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لا يَأْتِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا"25ثُمَّ إِنَّهُمَا بَعْدَ مَا شَهِدَا وَتَكَلَّمَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَبَشَّرَا قُرىً كَثِيرَةً لِلسَّامِرِيِّينَ.


كان الفرح عظيماً في أعضاء كنيسة أورشليم، لمّا سمعوا أنّ السامرة قبلت كلمة الله. فلم يطلب العمادَ أفرادٌ فقط، بل جماهير كثيرةٌ في كلّ أنحاء هذه المنطقة فانتشر ملكوت الله وسط الدّين السامري الممتزج ببقايا أديان مختلفة.
والمتأنّون مِن الرسل قالوا: لنمتحن هذه الجماهير، مِن أيّ روح هي؟ لقد عرَفنا السَّامريين مِن قبل، لمّا منعوا مرور يسوع مِن بلادهم، وآنذاك غضب يوحنّا ورفقاؤه، وطلبوا مِن الرّبّ إسقاط نار مِن السّماء ليبيد المتمرّدين في تلك القرى. فنخس يسوع قلوبهم وسألهم: ألستم تعلمون مِن أيّ روح أنتم؟ أمّا الآن فقد ذهب بطرس ويوحنّا ليراقبوا النهضة الجديدة، ويزيدوا في فرح المؤمنين بخدماتهم.
ولمّا جاء الرسولان إلى السامرة لاحظا تَوّاً أنّه رغم الحماس والإيمان الظاهر لأجل العجائب، كان الأهمُّ مِن كل الأشياء ناقصاً هنالك، أي التَّغيير الدَّاخلي للإنسان، وتحرّره مِن ارتباطاته الشيطانيّة، وامتلاؤه بالرّوح القدس. فالجماهير آمنوا بيسوع، ولكنّهم رغم إيمانهم به واعتمادهم على اسمه بالماء، لم ينالوا معموديّة الرّوح القدس.
فعلينا الاعتراف، ولو لم نحبّ ذلك، بأنّ إيمان أكثريّة المسيحيين بالمسيح تصديق عقلي. وكلّ ما هنالك أنّهم مارسوا المعموديّة بالماء، ويستسلمون للطقوس المقدّسة، ويتمنّون عجائب وإرشادات الرّبّ؛ ولكنّهم لم ينالوا الخلاص حقّاً. فالقلوب لا تزال مقيَّدة بسلاسل الأرواح الشرّيرة، وتتسلّط عليهم أفكار مِن رواسب المذاهب القديمة، والخطيئة تملك على أجسادهم، ولا تظهر فيهم قوّة الله، بواسطة التواضع والمحبّة والتضحيات وإنكار النفس.
فعلينا، كأفراد وكنائس، أن نمتحن أنفسنا في نور الإنجيل: هل نحن شركة المصدّقين بعقيدة المسيح فقط، أم نحن قدّيسون ممتلئون بروح المحبّة، أموات لأنفسنا وعائشون لله؟ لا تَظُنَّنَّ أنَّ فهم المسيح مجرّد الإيمان والثَّبات في التقليد الكنسي يخلّصك، لأنّك بدون حياة الله الصادرة مِن الرّوح القدس تبقى، رغم أفكارك الدينيّة وتعصّبك الأعمى، ميتاً روحيّاً. فهل حصلت على هبة الرّوح القدس حقّاً؟ لقد غفر لنا المسيح ذنوبنا على الصّليب، لننال موعد أبيه، وتدخل في أجسادنا الفانية قوّته وحياته وسروره وصلاحه. فلا تكتفِ بتقواك، ولا تتخيل بتخيلاتك الدينيّة، بل تُبْ متغيِّراً في ذهنك، طالباً إلى المسيح بمواظبة أن يملأك بروحه القدّوس؛ فتدرك عندئذ شرّك، وترفض نفسك الخاطئة، فيخلق المسيح فيك خليقة جديدة ممتلئة بالحياة الأبديّة.
فيا أيّها الأخ الكريم انتبه! لا تتصرف كسيمون الساحر، الّذي كان جاسوس الشَّيطان في كنيسة المسيح، فَلاحَظَ قوّة الله النابعة مِن الرسل، وامتلأ طمعاً بامتلاكها، وعَلَّلَ نفسه بالحصول على قدرة إعطائها للآخرين. ولو حصل ذلك، لصار أقوى مِن فيلبس، وَلَتَركَ النّاسُ هذا الشمّاس النشيط، ورجعوا إلى سيمون الساحر القديم.
وهنا يظهر أنّه رغم العماد والتوبة المرائية، يمكن للإنسان أن يبقى شيطاناً مستكبراً طمّاعاً للسلطة والعجرفة، إذا لم يتحرّر في صميم قلبه مِن خطاياه بسيف كلمة الله. فخلاصنا يعني فداء مِن سلطات شرّيرة، وليس فقط شعوراً دينيّاً وفهماً عقليّاً.
فشيطانيّة سيمون، ظهرت سريعاً في اتّكاله على المال، لأنّه ظنّ أَنَّ بإِمكانه شراء سلطان وضع الأيدي بالنقود، فلم يفهم صميم الفكر المسيحي، عن ذبيحة المسيح المجانيّة على الصّليب البتّة. فمستحيل أن نحصل على نعمة الله بواسطة المال، أو الأعمال الصالحة، أو التّقدمات البشريّة، أيّا كان نوعها، لأنّ إلهنا ليس تاجراً مرابياً، بل هو أبٌ حنون، مُعطٍ بلا نهاية. ومَن يجعل مِن المُحبّ تاجراً، فإنّه يسقط مباشرة في جهنّم وبئس المصير.
فهذا هو جواب بطرس للمرائي: لتكن فضّتك للهلاك، وإلى الأسفل نفسك الممتلئة بالأنانيّة والطمع بالسّلطة والاستكبار والكذب. أنت لست مولوداً مِن روح الله، بل أنت ابن الشيطان. ورغم معموديتك وتصديقك بالمسيح وتظاهرك المسيحي، فأنت لست مشتركاً بملكوت الله، وما زالت طرق قلبك مُعْوَجَّةً كالسَّابق؛ وكذلك أنت معقّد وفاسد وشرّير وهالك، لأنّك تفكّر بطرق بشريّة وليس باستنارة الرّوح القدس؛ فتظنّ أيّها المسكين أنّ كلّ شيء يُشرَى بالمال، فتجرّب حتّى الله، لتحصل على نعمة روحه بدراهمك. تب حالاً عن كبريائك وطموحك المتوهم، وانكسر لشرّك وغيّر وجهة حياتك، واندم على خطاياك أمام الله بالدّموع، طالباً إليه غفران شرّك، وملتمساً مِنه تحرّرك مِن سلاسلك الشرّيرة. لقد فتحت قلبك لخطر خبيث ووافقت عليه، فارفضه سريعاً، واستغفر ربّك، عسى أن يغفر لك! وهو لا يغفر لك، إلاّ إذا انفصلت حقّاً وكليّاً وطوعاً عن خطيئتك، ورفضتها نهائيّاً. فعندئذ تخلص وتحصل على الغفران المعدّ للتائبين.
وإن لم تتب وتتغيّر في داخلك، ستبقَى خطراً على كنيستك، مسمّماً كثيرين بتقلقلك بين الله والشيطان، وتربط أتباعك برباط الظلم؛ وهكذا تصبح باباً لجهنّم، وليس باباً إلى السّماء. فكلماتك تفسد النّاس و لا تخلّص أحداً.
ويا للأسف! لم يتب السّاحر سيمون توبة مستقيمة، ولم يجثُ أمام الرسل معترفاً بخطئه، مستغفراً الله، بل خاف فقط مِن التهديد الرّوحي بأقوال الرسول بطرس. ولم يمت الرّوح القدس السّاحر مباشرة، كما عمل بحنانيّا وسفيرة في أورشليم سابقاً، لأنّ سيمون لم يولد ثانية، ولم يحصل على الرّوح القدس حقّاً؛ فبقيت إمكانية التوبة مفتوحة له.
ونعلم مِن تاريخ الكنيسة، أنّ الساحر المرائي لم يرجع، بل أَسَّس بدعةً نادت به إلهاً، وحصل بين أتباع هذه البدعة كلّ شذوذ جنسي ودعارات نجسة، لأنّه حيث يظهر روح الشيطان في الجبّة التقيّة والتحمّس الديني، فهناك يبدو سريعاً الاعوجاج بالنّسبة للمال والجنس. فانتبه انتباهاً بالغاً وانفصل عن كلّ حركة دينيّة متحمّسة، وتب إلى فقر المسيح وقناعته، واختر طهارة الرّوح القدس، واسلك في العفّة بقوّته.
اختبر الرسل أنّ كثيراً مِن السامريين ، تابوا توبة حقّة، وتغيّروا بواسطة الرّوح القدس في صميم قلوبهم؛ فلم يبشّر الرسل بسطحيّة وحماس، بل طلبوا بشّدة تطهير القلوب، وشدّدوا على التجديد الحقّ، لأنّه بدون ولادة ثانية لا يمكن أحداً أن يدخل ملكوت الله. فنطلب إليك أيّها الأخ أن تسلّم نفسك تماماً لروح الله، طالباً إليه أن يدين خطاياك اليوم، ويميتها ويغلبها حقّاً، ويقدّسك بواسطة إيمانك بدم المسيح، ويملأ نفسك بذاته. لا تبق واقفاً في منتصف الطريق، لكيلا تصبح ضرراً للكثيرين.

الصَّلَاة
أيّها الرّبّ القدّوس، لا تهلكني بل طهّرني مِن كلّ عنادي بدم المسيح، وليسحق روحك القدّوس في نفسي كلّ استكبار ونجاسة ومراءاة وطموح للتسلط لأتحرّر مِن ذاتي، ومِن كلّ روحٍ شرّير، وأتجدّد في المسيح، رئيس الإيمان ومكمله.