Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
1:2الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ3الَّذِي وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ


لم يستهلّ كَاتِب هَذِهِ الرِّسَالَةِ بشارته بتحيَّاتٍ شخصيَّةٍ، ولا بذكر اسمه، بل أبرز ذاك المستحقّ وحده كلَّ ذِكْرٍ وتمجيدٍ، وهو ابن الله هدف الوحي والإعلانات السَّابقة كلِّها، الذي وجدَت حتَّى الشَّرِيْعَة، في مجيئه، معناها وإكمالها. فرسم الكَاتِب سبع صفاتٍ سماويَّة لبنوَّة المسيح كما يلي:
1- تكلَّم الله في الأزمنة القديمة بِوَاسِطَةِ أنبياء كثيرين. ولكنَّه بعد تجسُّد المسيح تكلَّم فيه، لأنَّ الله كان في المسيح حالاًّ وثابتاً في وحدةٍ تامَّةٍ، حتَّى إنَّ يسوع قال: "صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ". فكلام المسيح وأعماله هي توضيحٌ لمشيئة الله الحقيقيَّة. فتعمَّق في إِنْجِيْلك بأمانة، لأنَّ فيه يتكلَّم الله بابنه شخصيّاً.
2- لم يبقَ الابن على الأرض طويلاً، بل رفعه الآب إليه، وجعله وارثاً له شرعيّاً. لا شكَّ أنَّ الله لا يموت، ولا يحتاج إلى خليفةٍ أو وارثٍ. ولكن كما يُفوِّض الأب البشريُّ أحياناً ممتلكاته إلى ابنه، أو يُشركه في حقِّ التَّصرُّف بها، أو يورثه إيَّاها، هكذا أشرك الآب ابنه يسوع في ملئه، حتَّى إنَّ المسيح أعلن بعد قيامته مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ قائلاً: "دُفِعَ إِلَيَّ كُلّ سُلْطَانٍ فِيْ السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ". وبعد صعوده إلى وطنه السَّماوي سجدَت له ملايين المَلاَئِكَة، عندما سلَّم الآب لابنه جميع الحقوق والقدرات، قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍٍ "مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْخَرُوفُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ." ويدلُّنا هذا الهتاف على أنَّ الله قد عيَّن المسيح مُكمِّلاً للعالم، وفادياً للكنيسة، وقاضياً أزليّاً.
3- لم يشهد الرُّسل فقط بأنَّ المسيح هو المتسلِّط على نهاية العالم، بل بأنَّه هو أيضاً الذي أوجد البداية، وصنع تفاصيل الكون كلَّها بكلمته القديرة. فالآب وضع بين يدَي الابن جميع الأمور والحقوق والقوى. والابن لم يعمل شيئاً إلاَّ في انسجامٍ تامٍّ مع أبيه. فمجَّد الابنُ الآبَ، كما عظَّم الآبُ ابنَه. لذلك مِن الضَّروريِّ أن نُدرك أنَّ الوحدة بين الآب والابن هي أعظم ممَّا نعلم ونشعر. هكذا قال يسوع: "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ". وهكذا نعترف أنَّ وجود الابن لم يبتدئ بولادته، بل هو أزليُّ أبديٌّ، كما قال هو عن نفسه: "لاَ تَخَفْ. أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالْحَيُّ، وَكُنْتُ مَيْتًا وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ. . أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ."
4- ومِن ثَمَّ مجَّد كَاتِب الرِّسَالَةِ المصلوب والحيَّ أكثر فأكثر، فسمَّاه "بهاء مجد الله". وقد عبَّر اليهود عن صفات الله وفضائله كلَّها بالمجد المفعم بالبهاء، وملء النُّور الذي لا يستطيع إنسانٌ ولا ملاكٌ أن يحتمله. فالمسيح محاطٌ بمجد أبيه الكامل الذي أشرق فيه وحوله أمام بطرس ويُوْحَنَّا ويعقوب على جبل التَّجلي. ومرَّةً أُخرى أصابت أشعَّة نوره المجيد شاول فأسقطته عن الفرس. كما ظهَر يسوع في بهاء مجده ليُوْحَنَّا في جزيرة "بطمس". فالمسيح الذي احتقره أهل العالم ورفضوه هو إلهٌ مجيدٌ يرتدي جلال أبيه. والشَّياطين نفسها قد شعرت بألوهيَّته، فكانت تصرخ حين يقترب مِن الملبوسين قائلةً: "نَعلم مَنْ أَنْتَ قُدُّوْس اللهِ. لِماذا أَتَيْتَ قبل الوَقتِ لِتُهْلِكَنَا؟" لم ترَ الأبالسة مجد الله، بل ارتجفَت مِن قداسته المغطِّية بهاءه. فالمؤمنون وحدهم يرون مجد المسيح، وهم سيتقدَّمون إليه عندما يأتي ثانيةً في مجد الآب ومجده الخاص، محاطاً بفيالق مِن المَلاَئِكَة البرَّاقة. وعِنْدَئِذٍ يرتعد الملحدون هلعاً مفضِّلين الموت على رؤية أشعَّة مجد المسيح التي تُعرِّيهم كقداسة مميتة كاشفةً جميع خطاياهم، بينما يقف المؤمنون بثباتٍ ويقينٍ، وقد تعوَّدوا مجدَه وبهاءه وقداسته، لأنَّ الرُّوْح القُدُس السَّاكن فيهم هو عربون المجد العتيد.
5- يتقدَّم كَاتِب الرِّسَالَةِ في توضيح ألوهيَّة المسيح، فلا يُبيِّنه لنا ببهاء مظهره الخارجي فقط، بل يوضح لنا أيضاً هيئته الأساسيَّة وجوهره الرُّوحي؛ فنعلم أنَّ الله روحٌ، وأنَّ السَّماء غير قادرةٍ على احتوائه. وأنَّه أيضاً شخصٌ معيَّنٌ، لأنَّه خلق الإنسان على صورته. فالمسيح صورة الله ورسم هيئته ومرآة ظهوره، ولن تجد صورةً لله أوضح مِن يسوع المسيح، فإن شِئْتَ أن ترى الله، فانظر إلى يسوع المسيح الواقف أمامك مستتراً في الإِنْجِيْل، معلَناً لأعين المؤمنين، كما قال يُوْحَنَّا: "وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً".
6- لم يحمل المسيح هيئة الله في جسده فقط، بل امتلأ بجوهره أيضاً، كما قال الرَّسول بولس بكلِّ وضوحٍ إنَّ في المسيح حلَّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا. وهذا الأمر يفوق عقولنا، وبخاصَّةٍ حين نفتكر كيف كان الله بكلِّيَّته جنيناً في بطن مريم العذراء. وهذا هو لبُّ إيماننا إنَّ الله قد تجسَّد في يسوع المسيح.
7- لقد فاق يسوع المسيح بعظمته الأنبياء والرُّسُل والمعلِّمين والبشَر أجمعين. وأدرك المسيحيون الأوائل صفات ابن الله بدرايةٍ وافيةٍ، وشهدوا أنَّه خالق البداية ومُكمل النِّهاية، المجيد في شخصه، حامل ملء الله في ذاته. وعلموا مِن هذه الصِّفات أنَّه، فِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ، القادر على كلِّ شيءٍ، وضابط الكلِّ. وهو لم يخلق العوالم ويتركها لذاتها، بل يُدبِّر ويُنظِّم ويحمل كلَّ شيءٍ بكلمته الإلهيَّة وصبره الفائق. فلا تسقط شعرةٌ مِن رأسك دون أن يعرفها ربُّك. ونحن لا نخشى قضاءً ولا قدَراً، لأنَّ قلب إلهنا مفعمٌ بالمحبَّة. وأبونا يعتني بنا، ولا يضرُّنا البتَّة، إذ إنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعَاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ. أمَّا الذي لا يُحبُّ اللهَ فيُسلمه الله إلى شهوات قلبه، ليهلك نفسه بنفسه. وليست الحروب والكوارث والضيقات سوى تمهيد لدينونة الله وقصاصه لإرجاع الناس إلى ربِّهم. ولكنَّ أعين الكثيرين للأسف عمياء، وأذهانهم غليظة، وآذانهم غير قادرة على تمييز صوت النِّعمة، فيزدادون عناداً واستكباراً وشرّاً، ولا يتوبون، ولا يُدركون.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الآبُ، نَشْكُرُكَ ونَسْجُدُ لَكَ لأنَّك أعلنتَ لنا ابنك. ونحن نعلم أنَّك أتيت إلينا شخصيّاً فيه. علِّمنا أن نستقبلك كما يليق لك، وأرشِدنا إلى الخدمة والحمد، كي نعكس في حياتنا مجدَك بكلِّ تواضعٍ وتسليمٍ لك.
السُّؤَال
ما هي الصِّفات السَّبع الدَّالَّة على ألوهيَّة المسيح؟ اكتبها باختصارٍ.