Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
1:4صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَة بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ.5لأَِنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَة قَالَ قَطُّ أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. وَأَيْضًا أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا.6وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَة اللهِ.


إنَّ يسوع هو ابن الله الفريد، بحسب ولادته وجوهره وأبديَّته وخدمته وقوَّته وكَهَنُوْته وذبيحته وإكرامه ومجده. وإذا كان اليهود لا ينطقون باسم الله إجلالاً له، ملقِّبين إيَّاه "بالعظَمَة"، فالابن يملك العظَمَة كلَّها. هو إلهٌ حَقٌّ، وقد ورث اسم بنوَّته مِن قَبْل تأسيس العالَم.
لعلَّ العِبْرَانِيِّيْنَ الذين وُجِّهَت إليهم هذه الرِّسَالَة آمنوا بِيَسُوْعَ كنبيٍّ صالحٍ محتقَرٍ مسكينٍ، معتبرين المَلاَئِكَة البرَّاقة القويَّة أعظم مِن المصلوب، لأنَّ إنسانيَّة يسوع كانت عثرةً لهم بمفهومهم الضَّيق الذي يطلب رِفعَة الشَّأن والزَّعامة الوطنيَّة والمجد الدُّنْيَوِي. ولذلك أثبت كَاتِب هَذِهِ الرِّسَالَةِ لهم تدريجيّاً، بِوَاسِطَةِ نبوَّات العهد القديم، أنَّ يسوع المرفوض أعظم مِن جميع المَلاَئِكَة والأنبياء والكهنة، وأنَّ تواضعه يُعبِّر عن جلاله. ونجد في هذا السَّبيل آياتٍ كثيرةً مترجَمةً مِن العهد القديم بحسب ترجمة التَّوْرَاة السَّبعينية1 Septuagint التي تبتعد أحياناً قليلةً عن النَّص الأصلي بسبب النَّقل مِن لغةٍ إلى أُخرى. ولكنَّ كَاتِب الرِّسَالَةِ استخدم هذا النَّص الجديد منساقاً مع الرُّوْح القُدُس، مُعلناً لنا عظَمة ابن الله الحيِّ.
لا شكَّ أنَّ مَلاَئِكَة الله مجيدةٌ وعظيمةٌ وقديرةٌ. ونحن في عصرنا التِّكنولوجي نحتاج مِن جديدٍ إلى الإيمان بأنَّ هذه الهيئات النُّورانية هي عبارةٌ عن خُدَّامٍ لله القدير، يأتمرون له ويمتثلون أوامره ويُنفِّذونها فوراً، ولا يستطيع أحدٌ أن يمنعهم. إنَّ وراء عالمنا صراعاً عظيماً بين النُّور والظُّلمة، لا نشعر إلاَّ بنتائجه. وهذا الصِّراع قائمٌ. والمسيح هو المنتصر.
ومهما عَظُمَ شأن المَلاَئِكَة، لا مجال للمقارنة بينها وبين ابن الله، لأنَّ الأخير مولودٌ مِن الآب قبل جميع الدُّهور، وليس مخلوقاً (مزمور 2: 7)، بل هو خلق المَلاَئِكَة، لأنَّ الآب جعل عمل الخلق كلَّه في يديه. فالمسيح ليس مخلوقاً، بل هو ابنٌ. وهذا الابن ليس مُتَبَنَّى مثلنا نحن الخطاة إذا تبرَّرنا ونلنا حقوق البنوَّة بالنِّعمة، بل هو مولودٌ مباشرةً مِن الله. وهذا هو جوهر وأساس اعترافنا الذي لا نتخلَّى عنه. فالمسيح هو ابن الله الوحيد القُدُّوْس بحسب الجوهر والحَقِّ.
إنَّنا، منذ تجسُّد الابن في عالمنا، نَعلم أنَّ الله آبٌ حنونٌ. فبمجيء المسيح اضمحلَّت الفكرة القديمة عن الله العظيم القُدُّوْس أنَّه إلهٌ مستبدٌّ متعسِّفٌ منعزلٌ، فأضحى الله هو المحبَّة والحنان والرَّأفة، وصارت علاقة المؤمن بالله علاقة الابن بأبيه. والعلاقة بين الآب والابن تُعلن لنا صميم جوهر الله (2 صموئيل 7: 14). فصفات الخالق الرِّئيسية البارزة ليست التَّعالي والسُّلطان والدَّيْنُوْنَة، بل المحبَّة الأبويَّة، والحنان، واللُّطف، والرَّأفة، وطول الأناة. لقد وهب لنا المسيح بمجيئه إلينا اسمَ الله الجديد: "الآب". ولذلك لا نسجد بعد لإلهٍ غاضبٍ مُهلكٍ مُخيفٍ، بل نستسلم فَرِحِين مُطمئنِّين للآب المُحبِّ الرَّحيم الصَّبور الذي أعلن جوهره واسمه في ابنه. ولا سبيل إلى معرفة الآب إلاَّ بمعرفة الابن، لأنَّ في الابن وحده نرى الآب. وكلُّ دينٍ أو طائفةٍ أو مذهبٍ لا يتمسَّك بِيَسُوْعَ المسيح ابن الله، لا يعرف الله المعرفة الصَّحيحة.
أمَّا نحن فنتهلَّل، ونهتف لأبينا، ونُسبِّح اسمه الأبويَّ ونُقدِّسه، لأنَّه جعلَنا أولاداً له. وهذه الحقيقة قد أبانها كَاتِب الرِّسَالَةِ بعبارته إنَّ يسوع هو البكر الذي يسيطر ويتصرَّف حسب امتيازه في العائلة الإلهيَّة، ويحمل مَسْؤُوْليَّة إخوته، وهم يُطيعونه. وهكذا أرسل الآب بكره لتخليص إخوته الضَّالِّين. وهو ضحَّى بذاته لفداء المقيَّدين الهالكين. فلأجل محبَّة المسيح قَبِلنا اللهُ أولاداً، وأعطانا حقَّ التَّبنِّي، وولدنا ثانيةً مِن الرُّوْح القُدُس. فالبكر هو سبب تجديدنا.
وطلب الله مِن جميع ملائكته أن يسجدوا لابنه. فمَن يستحقُّ أن يُسجَد له ليس آدم ونسله، بل يسوع وحده، لأنَّ يسوع هو محبَّة الله الظَّاهرة. لا ريب أنَّ الإنسان الأوَّل كان جميلاً وحكيماً وصالحاً، ولكنَّه كان مخلوقاً، بينما يسوع هو الخالق، لأنَّه الإله الحقُّ. والشَّيطان الذي هو ملاكٌ عاصٍ مستكبرٌ، تمرَّد على خالقه، قاصداً إبادته. أمَّا الابن الفريد فأنكر ذاته، وقَبِل أن يصير بشراً، خادماً لجميع الناس. فلأجل تواضعه طلب الله مِن جميع ملائكته أن يسجدوا لابنه الفريد، هذا السُّجود الذي ابتدأ قبل تأسيس العالَم، وظهَر في انشقاق السَّموات عند ولادته مِن مريم العذراء، واكتمل بعد صعوده سجوداً للحَمَل المذبوح المستحقِّ كلَّ سُجودٍ. وسيَظهَر هذا التَّوقير والتَّبجيل والإجلال عند رجوع المسيح إلى المسكونة، محاطاً بالمَلاَئِكَة الهاتفين والمسبِّحين، لأنَّ مَلَكُوْت الله يأتي ويتحقَّق دون مانعٍ في ابنه.
وفي تلك السَّاعة الوشيكة، ستجثو كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ، وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ، وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ. وكلُّ مَن لم يُكرم ابن الله ويُعظِّمه في حياته، سيقف في تلك السَّاعة منكسراً ساجداً مرتعباً يائساً، لأنَّه قد أنكر حقيقة مجده.

الصَّلَاة
إلهنا العظيم، أنت أبونا بِوَاسِطَةِ يسوع المسيح ابنك الحبيب. نَشْكُرُكَ لأجل إعلان اسمك الأبوي المملوء محبَّةً ورأفةً وحناناً. لا تَرفُضْنا، ولا تنزع روحك القُدُّوْس مِنَّا، بل قَدِّسْنا حسب اسمك، كي نُقدِّسك نحن أيضاً، ونُكرمك بسلوكنا وشهادتنا. نَسْجُدُ لَكَ شاكرين إرسال ابنك إلينا. آمين.
السُّؤَال
ما هي العلاقة بين المَلاَئِكَة ويسوع، وبين يسوع والله؟