Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
10:22لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ23لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخًا لأَِنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ.24وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ25غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ


هل التقيتَ المسيحَ وثبَتَّ فيه؟ هل اشتركتَ في حقوقك السَّماويَّة، وذُقْتَ قوى الرُّوْح القُدُس؟ عِنْدَئِذٍ يقودك الوَاعِظ إلى إيمانٍ حيٍّ مبنيٍّ على رجاءٍ يقينٍ وعاملٍ بالمحبَّة الفعليَّة النَّشيطة. وقد اعتبر الرَّجاء أهمَّ الثَّلاثة بالنِّسبة إلى قُرَّائه المتردِّدين الذين اضمحلَّ فيهم الرَّجاء.
فكيف يتحقَّق الإيمان اليقينيُّ بالمسيح؟ تعال إليه بقلبٍ صادقٍ، وليس بتلاعب الفكر والحيَل، أو أمَلاً بالوظيفة والمركز والمصلحة. كلاَّ بل تقدَّم إليه معترفاً بخطئك وبحاجتك إلى الخلاص، واثقاً به كما يثق الطِّفل بوالدَيه. ادرس حياة يسوع وتصرُّفاته وأعماله وعظاته، فتكسَب ثقةً قلبيَّةً بشخصه، وتتعلَّم الصَّلاَة، وتؤمِن بعظَمة محبَّته، وتُسلِّم نفسك له إِلَِى الأَبَدِ، وتختبر أنَّ يَقبلك ويقطع معك عهداً إلهيّاً، ويكفل لك خلاصك. فهو ضامنك عند العليِّ.
وهذا الإيمان الثَّابت مبنيٌُّ على الرَّش بدم المسيح. فلا يحقُّ لك أن تتقدَّم إلى الله وتقطع معه عهداً، لأنَّك خاطئٌ، وضميرك شرِّيرٌ يُذكِّرك بكلِّ عملٍ نجسٍ ارتكبته. ولكنَّ دم يسوع المسيح يستطيع أن يُطهِّرك مِن كلِّ خطيَّةٍ، ويُحرِّرك مِن قيود ذنوبك، ويُنشئ في نفسك يقين الغفران. فإنْ قبِلْتَ رشَّ ذاتك بهذا الدَّم الكريم، تستحقّ أن تخدم الله، وأن تصير كاهناً مبتهلاً لكثيرين.
وتطهيرك ليس نظريّاً وروحيّاً فقط، بل يشمل أيضاً جسدك، كأنَّ الله يغسلك مِن كلِّ قذَرٍ، ويُقدِّسك إِلَى التَّمَامِ. وروح المسيح يحلُّ في أجساد المؤمنين، وليس في عقولهم فقط؛ فيغلب شهواتهم الشِّريرة، ويُعطيهم نيَّاتٍ صالحةً وأفكاراً نقيَّةً. أجَل إنَّ الجسد والروح والنَّفس في كلِّ إنسانٍ طبيعيٍّ شرِّيرةٌ منذ حداثته. ولكنَّ الرُّوْح القُدُس يغلب في تجديدنا أذهاننا، ويُقدِّس علاقتنا الجنسيَّة، ويُحرِّرنا مِن عبوديَّة الخطيَّة، إذا بقينا ملتصقين بالمسيح. فإيماننا الحقيقي يشمل حياتنا كلَّها، رأساً وقلباً، جسداً وشعوراً باطنيّاً، نفساً وإرادةً، ماضياً ومستقبلاً. فيملكنا المسيح ويُهيمن علينا تماماً.
يَعلَم المؤمن الحيُّ أنَّه ليس كاملاً، بل قد ابتدأ فيه الكمال. نحن في كينونة الحياة الجديدة، وفي الصَّيرورة إلى مجدها فِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ؛ فننتظر بشوقٍ فداء أجسادنا كي نفقد جسمنا الفاني ونلبس جسد المسيح الرُّوحي.
إنَّ لنا إقرار الرَّجاء. فتيقَّن يا أخي أنَّ المسيح يأتي قريباً في عصرنا، وسندخل معه إلى الرَّاحة الأبديَّة متحرِّرين مِن خوف الموت، ونعيش مع الله في حضوره، وسنراه كما هو. ونتغيَّر مع جميع القِدِّيْسِيْنَ إلى صورة مجده، ونُصبح بلا لومٍ قُدَّامه في المحبَّة. وحياتنا لا تتمُّ في دنيانا، بل تتبلور نحو الآخرة. فلا نتمسَّك بالمال الفاني، أو نتمنَّى تكريماً بشريّاً، بل نفرح لأنَّ أسماءنا مكتوبةٌ في السَّماء، ونمتدُّ إلى ملاقاة ربِّنا، ونُريد روية أبينا، ونشتاق إلى شركةٍ عمليَّةٍ مع ربِّنا ومخلِّصنا يسوع. فهل تترقَّب مجيئه معنا؟
يطلب كَاتِب الرِّسَالَةِ منك أن تتمسَّك بإقرار الرَّجاء هذا بعزمٍ. ولا يكفي أن تُفكِّر مرَّةً، أو بعض المرَّات، وبالمصادفة بمجيء المسيح والحياة الأخرى، بل مِن الضَّروريِّ أن يظلَّ قلبُك متَّجهاً إليه على الدَّوام، كما تُفكرِّ العروس دائماً بعريسها. وهذه الحالة لا تسمح بالتَّغيُّر والاضمحلال. فمحبَّتنا للمسيح تظهر في حيويَّة الرَّجاء.
لم يخفَ على الوَاعِظ أنَّ أمانة الإيمان والرَّجاء في المؤمنين ضعيفةٌ وهزيلةٌ. فربط أعضاء كنيسته بأمانة الله غير المتقلقلة. فلم يبنِ مستقبل الكنيسة على القدرات البشريَّة، بل ألقى رجاءه بالتَّمام على النِّعمة. ولم يغلب الضُّعفاء بسلاح البلاغة والمنطق وإجبار الإرادة، إنَّما صلَّى وآمَن ورَجا وتمسَّك بالمسيح واثقاً بأنَّه سيُكمل العمل المبتدئ في أولاده. وفكَّر كَاتِب الرِّسَالَةِ، في صلاته، بأفراد كنيسته. ورأى أمامه الأقوياء في الإيمان والمتردِّدين، الشُّجعان في الرَّجاء والمهملين للمستقبل، النّشيطين في المحبَّة والأنانيِّين. فأنَّ وتأوَّه وتشجَّع، وطلب مِن الأقوياء في الرُّوح أن يهتمُّوا بالضُّعفاء، وأن يُقدِّموا لهم قدوة المحبَّة. إنَّ الكلمات الرَّنانة الجميلة لا تنفع وحدها. فالمحبَّة العمليَّة الخادمة هي القوَّة في الكنيسة. ولا يقتصر عملنا على عواطف المحبَّة ونظريَّات المشاريع الخيريَّة، بل نحتاج إلى عونٍ عمليٍّ وتضحياتٍ بالوقت والمال، حتَّى للَّذين لا يستحقُّون المساعدة. فالمحبَّة تستر كثيراً مِن الخطايا، كما تستنبط الأعمال الحسنة بلا نهايةٍ. فالمحبَّة أكبر مهندسٍ، وهي تنال قدرتها مِن دم المسيح الذي طهَّر ضمائرنا مِن أعمالٍ ميتةٍ لنخدم الله الحيَّ. وهذه المحبَّة تُرشدنا إلى ممارسة الشَّركة الأخويَّة، فنحتمل الغرباء والأجلاف بسرورٍ، ونحفظ وحدة جسد المسيح بصبرٍ كبيرٍ. وتتجلَّى هذه المحبَّة في المسارعة إلى عمل الخير، فنتسابق في صبرنا وتأنِّينا ولطفنا وفضلنا.
وهذا الموقف المتحمِّس للمحبَّة مناقضٌ للتَّباطؤ في حضور اجتماعات الصَّلاَة. وكثيرةٌ هي الحجج التي نتذرَّع بها للتَّهرُّب مِن واجباتنا في الكنيسة. انتبه! إنَّ ما تسمعه مِن مواعظ قيِّمةٍ وأنت في بيتك، بِوَاسِطَةِ الإذاعة والتلفزيون، أو ما تقرأ مِن كتبٍ روحيَّةٍ ثمينةٍ لا يُغنيك أبداً عن حضور اجتماعات الكنيسة والمشاركة في خدماتها ونشاطاتها. فالتَّهرُّب مِن واجباتك تجاه الكنيسة هو بمثابة انعزالٍ، وهذا الانعزال ضعفٌ، بل هو هروبٌ مِن مَسْؤُوْليَّة المحبَّة، وغرقٌ في الأنانيَّة الرُّوحية، ودورانٌ حول الذَّات الشَّامخة. امتحن نفسك، وانكسر لمقاصدك الشَّخصية، فيُرشدك الرُّوْح القُدُس للعودة إلى الإخوة، فتعترف بأغلاطك، وتُعلن لهم أخطاءهم بتواضعٍ ومحبَّةٍ قويَّةٍ. فالشَّركة المسيحيَّة تتحقَّق بِوَاسِطَةِ المكالمة الأخويَّة الصَّريحة بين شخصين. ولا تكون صراحتنا لدينونة الإخوة، بل لخدمتهم، كما لم يغسل المسيح رؤوس التَّلاميذ، بل أرجلهم. فنحن لسنا قضاةً، ولكنَّنا خدَّامٌ، ومِن واجب كلٍّ مِنَّا أن يقول الحقَّ للآخَر بدون مداهنةٍ.
وهذه الفضائل الثَّلاث في المسيحيَّة: الإيمان والرَّجاء والمحبَّة تنال قوَّتها ودوافعها مِن حقيقة مجيء المسيح القريب. فيوم وصوله قريبٌ، وامتلاء الكنيسة بالفرح والابتهاج ليس ببعيدٍ. والرُّوح الشِّرير الذي في العالم يتبلور إلى شخصيَّة "المسيح الكذَّاب" الذي سيُضِلُّ كثيرين، ويُفسِد بحيَلٍ وسُلطانٍ الإيمانَ والرَّجاء والمحبَّة في العالم. ولهذا السَّبب يدعونا الكَاتِب إلى توحيد الصُّفوف والثَّبات في الأمانة، لأنَّ الرَّبَّ آتٍ قريباً.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، نَشْكُرُكَ لأنَّك أمينٌ، ولا تترك كنيستك في الضَّعف والاتِّهامات، بل تخلق فيها الإيمان والرَّجاء والمحبَّة. نَشْكُرُكَ لأنَّ قوَّتك في الضَّعف تكمل. فسَاعِدْنَا عَلَى أن نثبت في الشَّركة الأخويَّة، وننتظر رجوعك مشتاقين إليك.
السُّؤَال
ما هي الفضائل المسيحيَّة التي نحتاج إليها اليوم لدوام الكنيسة أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى؟