Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
3- اثبتوا في رجاء الإيمان كثباتكم أيَّام الاضْطِهَاد
(10: 32- 39)
10:32وَلَكِنْ تَذَكَّرُوا الأَيَّامَ السَّالِفَةَ الَّتِي فِيهَا بَعْدَمَا أُنِرْتُمْ صَبَرْتُمْ عَلَى مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ33مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيْقَاتٍ وَمِنْ جِهَةٍ صَائِرِينَ شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هَكَذَا.34لأَِنَّكُمْ رَثَيْتُمْ لِقُيُودِي أَيْضًا وَقَبِلْتُمْ سَلْبَ أَمْوَالِكُمْ بِفَرَحٍ عَالِمِينَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنَّ لَكُمْ مَالاً أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَبَاقِيًا.35فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ.


تصوَّر كَاتِب الرِّسَالَةِ بعض الأعضاء وهو يوشكون على ترك الكنيسة. فاضطرب في أعماق قلبه، متذكِّراً كم تألَّم هؤلاء خاصَّةً لأجل المسيح. فقد حصلوا على استنارة الرُّوْح القُدُس ومعموديَّته، واحتملوا كلَّ عذابٍ دنيويٍّ بفرحٍ. فاخترقت حقيقة السَّماء كينونتهم الدُّنْيَوِية، وعاشوا على مستوىً جديدٍ في الحياة الرُّوحية.
ولرُبَّما كانوا يعيشون في زمن اضطهاد المسيحيِّين على يد القيصر نيرون سنة 64 م. في روما، حين هاجمت أمواج البغضة المؤمنين. فتقدَّم الحرَّاس إلى بيوتهم، وقيَّدوهم وساقوهم إلى السُّجون، وعذَّبوهم طويلاً. ومات كثيرون منهم حرقاً في جمرات نارٍ على قضبانٍ حديديَّةٍ محمَّاةٍ، وعُلِّق آخَرون على أعمدةٍ منصوبةٍ على جوانب الشَّوارع وأُلقيَ عليهم القطران ليتحوَّلوا إلى مشاعل بشريَّةٍ وهم أحياء ينظرون. ويُروى أنَّ القيصر نيرون نفسه كان يمرُّ بمركبته للتَّمتُّع بمشاهدة هؤلاء المؤمنين وهم يتعذَّبون مشتعلين.
ولئن كان مستلمو الرِّسَالَة إلى العِبْرَانِيِّيْنَ لم يُصبهم موتٌ كهذا، فإنَّ إخوتهم وأهلهم وأصدقاءهم صادفوا هذا المصير الأليم. لم يكُن العذاب الجسديّ وحده ينتظرهم، بل إنَّ الدولة استولَت على ممتلكاتهم، فأصبحوا في حالةٍ يُرثى لها مِن الفقر المدقع، بعدَما اختلست الدَّولة حقولهم وبيوتهم وقطعَت عنهم أرزاقهم.
إنَّنا نقرأ بتعجُّبٍ أنَّهم احتملوا سلب أموالهم بفرحٍ. وتكاد عقولنا لا تَقْبَل هذه الكلمة "بِفَرَحٍ"، لأنَّ الناس عادةً يتهافتون على امتلاك كلِّ ما يستطيعون امتلاكه، ويلهثون خلف الرَّاتب الضَّخم، وكلِّ ما يُسمَّى زينة الحياة الدُّنيا. ولكنْ في ذلك الوقت، قَبِل المؤمنون سَلب أموالهم كلِّها ليس بحقدٍ أو ضغينةٍ أو رضوخاً لأمرٍ واقعٍ، بل بفرحٍ وسرورٍ. أوَ ليست هذه معجزةً؟
لماذا احتمل هؤلاء المؤمنون سلب أموالهم وممتلكاتهم بفرحٍ؟ لأنَّهم اقتنَوا كنزاً أعظم وثروةً لا تزول. فهم لم يتعلَّقوا بممتلكاتٍ دنيويَّةٍ فانيةٍ، بل قد التقَوا الخالق نفسه، ونالوا حياته الأبديَّة، وثبتوا في حقوقهم السَّماويَّة. ولذلك استغنَوا بفرحٍ عن خداع الغنى، فنفضوه وخلعوه كثوبٍ نجسٍ.
إنَّ معرفة الله ورحمته أعظم وأمجد وأصدق مِن كلِّ كرامةٍ وغنىً وسلطةٍ في هذا العالم. طوبى للإنسان الذي يُدرك هذا المبدأ في الإِنْجِيْل، ويبني مستقبله كلِّياً على الأمور الباقية، ولا يُحب هذه الدُّنيا أبداً، لأنَّه ينال مكافأةً عظيمةً.
فما هي مكافأة المؤمنين؟ هل هي المال، أو الشُّهرة، أو الاسترخاء، أو النُّفوذ؟ لا ثمَّ لا. ليس في فردوسنا شهواتٌ وبطرٌ. الله نفسه لا سواه هو مكافأتنا. فمَن يؤمِن بالمسيح يكسب اللهَ أباً له، والابن أخاً، والرُّوْح القُدُس يتمركز في قلبه. فحضور الله في المسيحي هو مكافأته لأجل ثقته المستمرَّة.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الآبُ، نَشْكُرُكَ ونَسْجُدُ لَكَ لأنَّك أصبحت بِوَاسِطَةِ يسوع المسيح أبانا الحق. نحمدك ونُسبِّحك لأنَّك منحتَنا إيماناً ثابتاً وشركةً أبديَّةً معك. احفظنا بإيماننا كيلا نتزعزع في الاضْطِهَادات والعذاب، بل نثبت أمناء رغم الضَّغط المتزايد. قوِّ المضطهدين، وساعِد الفقراء، وعزِّ الحزانى لكي يروك ولا ينفصلوا عنك.
السُّؤَال
ما هو الغِنى الفقير، وما هو الفقر الغَنيّ؟