Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
10:36لأَِنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ.37لأَِنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدًّا سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ.38أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا وَإِنِ ارْتَدَّ لاَ تُسَرُّ بِهِ نَفْسِي.39وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنْ الاِرْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ بَلْ مِنَ الإِيمَانِ لاِقْتِنَاءِ النَّفْسِ


يحضُّ الوَاعِظ مستمعيه بكلِّ اهتمامٍ وشدَّةٍ على ألاَّ يطرحوا ثقتهم بالمسيح. فثمَّة ساعاتٌ وأيَّامٌ في حياة المؤمن المتجدِّد لا يرى فيها الله البتَّة، ولا يأتيه عونٌ مثلما صرخ الابن على الصَّلِيْب: "إلهي إلهي، لماذا تركتَني؟" علماً أنَّه لا يسقط أحدٌ منَّا بانفصالٍ بعيدٍ كالابن الذي حمل عنَّا الدَّيْنُوْنَة كلَّها والانفصال عن الله.
إنَّ الله في الحقيقة معنا منذ مات المسيح على الصَّلِيْب لأجلنا. مِن هذه المعرفة اليقينيَّة ننال قوَّة للصَّبر. ويشبه الصَّابر حمَّالاً يحمل حملاً ثقيلاً ولا يلقيه، بل يستمرُّ في حمله إلى النَّهاية حتَّى وإن رزح تحته وتألَّم طويلاً. ويُشبه الصَّبر قدرة رياضيٍّ في سباقٍ طويلٍ، هذا الرِّياضي الذي، قبل الانطلاق، يُخطِّط لنفسه المسافات التي سيقطعها، كيلا يهدر قوَّته كلَّها في البداية فلا يتمكَّن مِن الوصول إلى الهدف، وإذ يكون نَفَسُه طويلاً يفوز في السِّباق نتيجة صبره وطاقته المنظَّمة. والمؤمن الذي لا يتعلَّم الصَّبر لا يدخل السَّماء، لأنَّ المسيح قال: "لِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ".
لا يتذمَّر المسيحيُّ الصَّابر تحت حمله، ولا تنهمر دموع عينيه لأجل الصُّعوبات، بل يحمل صليبه بشكرٍ، عالماً أنَّ المسيح أرشده إلى هذه الحالة الضَّيِّقَة لكي يُتمِّم مشيئة الله. فاسأل ربَّك في صلاتك ماذا يُريد منك في هذه الحالة الصَّعبة، وماذا يُريدك ألاَّ تفعل. والتمس منه القوَّة لإتمام مشيئته المعروفة عندك. فربُّك يدعوك إلى الطَّاعة، ويُرشدك بروحه إلى الجودة وطول الأناة واللُّطف. هكذا تُصبح شاهداً للمسيح ممتلئاً صبراً وسروراً.
والصَّبر يُعلِّمنا أن ننظر إلى يسوع الذي احتمل البشر منذ البداية، ونتعلَّم الصَّبر الإلهي، وننال القدرة على إنكار الذَّات، فلا نعتبر أنفسنا مهمِّين، بل نغلب ذواتنا كيلا نمنع جريان بركات الله بحساسيَّتنا وتذمُّرنا وعدم إيماننا. والمسيح يُدرِّبنا بِوَاسِطَةِ الآلام على الاشتياق إلى محبَّته. فالضِّيقات تُعلِّمنا أن نصرف النَّظر عن دنيانا وأهدافها الخاطئة، ونشتاق إلى الذي وحده يقدر أن يُخلِّص العالم. فالصَّابر المُطيع ينال تحقيق مواعيد الله كلِّها في مجيء المسيح.
كانت هذه القضيَّة عن مجيء المسيح، والصَّبر الطَّويل في انتظار مجيئه، النُّقطة الحسَّاسة والمشكوك فيها في حياة مستلمي رسالة العِبْرَانِيِّيْنَ. فها هم قد فقدوا أملاكهم منذ سنواتٍ بفرحٍ، لأنَّهم فكَّروا قائلين: "إنَّ المسيح يأتي قريباً، ويأخذنا إلى السَّماء في مجده، لا نحتاج إلى الدُّنيا، ولا نبالي بالاحتمال والعذاب". ولكنَّ الرَّب لم يأتِ. وابتدأ التَّساؤل في أنفسهم: "هل كانت استنارتنا وهماً؟ هل المسيح فِكْرٌ فقط؟" فاستاء كَاتِب الرِّسَالَةِ، وتحرَّك وصرخ بكلِّ قوَّته في الشَّاكِّين: "استيقظوا، استعدُّوا، الآتي قريبٌ مُقبلٌ عليكم. الشَّر قد نضج في دنيانا، ويوم الرَّب واقفٌ أمام الباب. لا يُبطئ المسيح، فهو آتٍ الآن. ومجد السَّموات كلُّه يُرافقه. ونوره سيلمع كصاعقةٍ مِن المشرق إلى المغرب".
قد تسأل: "إن كان المسيح لم يجئ قبل هذه الألفي سنة، والمؤمنون أنفسهم قد تردَّدوا بسبب عدم مجيئه، أوَلا يحقُّ لنا نحن أن نشكَّ أيضاً بسبب عدم مجيئه حتَّى الآن؟
فنجيبك بسرورٍ يقينيٍّ أنَّ "الْمَسِيحَ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ". فالرُّوْح القُدُس فينا هو الحقيقة العُظمى وعربون الحياة السَّماوية. ويسوع ليس كاذباً، بل هو المحبَّة والحقّ المتجسِّدان. وقد أكَّد لنا بسُلطانه أنَّه يأتي. وصعوده إلى السَّماء حقٌّ ثابتٌ. إنَّه حيٌّ موجودٌ أزليٌّ. وهو رئيس الكهنة، ويشفع فينا عند الله. فالذي لا يؤمن بمجيء المسيح هو منكر للمسيح، ورافضٌ مصالحته، وجاهلٌ قوى مجدِه. ولا رجاء لهذا الإنسان، لا في الدُّنيا ولا في الآخرة. وهو أفقر النَّاس جميعاً.
أمَّا مَن تطهَّر بدم المسيح فقد تبرَّر وصار مقبولاً عند الله، ليس لأجل سيرته المثاليَّة، ولا لأجل أعماله الباهرة، بل لإيمانه بذبيحة المسيح. فلأجل اختبارات حقيقة الخلاص في غفران الخطايا يعيش المؤمن بانتظار المسيح، كما قال إسكافيٌّ مؤمنٌ عندما سُئل عن حالته: "إنِّي أترقَّب يسوع، وفي غضون ذلك أرقع الأحذية حتَّى أوان مجيئه". لقد فهم هذا العامل البسيط هدف البشريَّة أكثر مِن جميع الفلاسفة والعباقرة.
ينضمُّ كَاتِب الرِّسَالَةِ إلى صفوف الذين يرفضون فكرة الارتداد، ويتَّجه بعزمٍ إلى المسيح الآتي، داعياً زملاءه إلى التَّقدُّم إليه معاً قائلاً لهم: "لا تتقهقروا، وإلاَّ سقطتم في الهلاك الأليم. لا تصغوا إلى كذب الشَّيطان. فالمسيح آتٍ حقّاً. ومَن يؤمن به يخلص، ومَن لا يؤمن يُدَن".
أيُّها الأخ، ماذا اخترتَ، العالم أم السَّماء؟ هل تنتظر مجيء المخلِّص، أم تشكّ في كيانه؟ إنَّنا نشهد لك أنَّ المسيح قام، حقّاً قام. وهو عائشٌ عند الآب، حيٌّ موجودٌ كائنٌ، يمنحنا مِن روحه، ويشفع فينا، ويشتاق إلينا اشتياقاً إلهيّاً. ونحن، منذ أنارنا، ننتظر مجيئه لكي يُغيِّر شكل جسد تواضعنا إلى شبه جسد مجده، لأنَّه قد أكملنا بذبيحة ذاته، وقدَّسَنا أمام الله. فالمسيح هو وحده رجاؤنا في الحياة والموت.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، إنَّنا لا نشتاق إلى غنى أو رفاهيةٍ أو إلى إكرامٍ مِن البشر، بل إنَّ جلَّ اشتياقنا هو إليك وحدك. نُريد أن نَشْكُرُكَ لأجل آلامك وموتك وقيامتك، ونتمنَّى أن نخدمك إِلَِى الأَبَدِ، لأنَّك فدَيتَ العالم، وأنت حيٌّ ومالكٌ مع الآب في وحدة الرُّوْح القُدُس. تعال أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ لكي يرى النَّاس كلُّهُم مجدَك العظيم.
السُّؤَال
كيف يتعلَّق الصَّبر بمجيء المسيح؟