Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
4- تشجَّعوا في الإيمان متعمِّقين في جدول آباء الإيمان
(11: 1- 40)

أ: ما هو الإيمان؟
(11: 1)
اَلأَصْحَاحُ الْحَادِيَ عَشَرَ 1وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.


حلَّقَت طائرةٌ مدَّةً طويلةً في أجواءٍ عاليةٍ، حتَّى لم يستطِع قائدها وركَّابها رؤية الأرض بسبب كثافة الغيوم والضَّباب التي حجبت الأرض عن أنظارهم. وحدث أن نضب خزَّان الوقود، فكان عليهم أن يهبطوا. وفجأةً سمع القائد بِوَاسِطَةِ اللاسلكي اتِّصالاً مِن برج المراقبة في مطارٍ قريبٍٍ. لم يتمكَّن القائد مِن رؤية المطار، ولكنَّ صوت المرشد دلَّه رغم الضَّباب الكثيف على مدرج الهبوط. فوثق قائد الطَّائرة بهذا الصَّوت، واخترق الغيوم الكثيفة التي حجبت عنه الرُّؤية كلِّياً، وهو يقود الطَّائرة دون أن يرى شيئاً حوله. ولكنَّه آمن بهداية المرشد. وهبط أخيراً بطائرته في المدرج العريض، لأنَّه أطاع صوت مرشد المطار الذي قاده بدقَّةٍ وحدَّد له النُّقطة المعيَّنة للهبوط، حتَّى وصل مع ركَّابه جميعاً بأمانٍ، رغم الأخطار، إلى الهدف المنشود.
إنَّ الإيمان الجَسُور ليس ببعيدٍ عن العالم التكنولوجي. فنحن جميعاً نتَّكل على فاعلية المكبح في تخفيف سرعة السَّيارة أو إيقافها، كما نَعلم بداهةً بأنَّ المصباح الكهربائي سيُضيء عندما نضغط على زرِّ الكهرباء.
والله يُربِّينا بدرجةٍ أعلى على الإيمان الثَّابت، ويُرسل لتشوُّقاتنا صوت الوحي النَّابع مِن الأنبياء الأُمناء، والمسيح الكلمة، والرُّسل المطيعين. ونحن نثق بهؤلاء الأشخاص لأنَّهم قدِّيسون في المحبَّة. إنَّنا لم نرَهُم، وقد لا نفهم كلامهم كلَّه بدقَّةٍ، ولكنَّ قلبنا يقول: "إنَّ أقوالهم صادقةٌ".
ومَن يثق بصوت الله هكذا يشعر في التقاء الإيمان والوحي بانفتاح عالمٍ جديدٍ. فالثِّقة في المسيح تقودنا إلى درجةٍ جديدةٍ مِن الوعي لا نقدر أن نسبر أغوارها بأذهاننا وعقولنا. ولكنَّ الإيمان هو الذي يشمل المنطق والعواطف أيضاً ويستخدمها. فيترسَّخ المؤمن في معرفةٍ أوسع مِن الفيلسوف، لأنَّه يشترك في بصيرة الرُّوْح القُدُس، فيُبصر أشياء لا يراها الآخرون.
أمَّا الكفاح الإيماني فيبدأ إذا ظهر الوعد الإلهي أعظم مِن المدارك، أو إذا خالف الشُّعور الطَّبيعي، أو إذا تأخَّر إنجاز النُّبوات. ففي هذا الامتحان تتحقَّق قوَّة الإيمان وتتبلور. وكما اتَّكل قائد الطَّائرة على صوت المرشد، رغم عدم رؤيته المطار، هكذا نتَّكل نحن المؤمنين على صوت المسيح مرشدنا إلى الخلاص الأكيد.
وفي أثناء عمليَّة الكفاح الإيماني، تطرأ أحياناً بعض الشُّكوك حول حقيقة الصَّوت الإلهي: "هل الوحي الذي نتَّكل عليه حقٌّ؟ ألَم نخدع أنفسنا بمثل هذا الإيمان؟"
لا شكَّ أنَّ ليس كلّ وحيٍ مزعومٍ هو حقّاً وحي الله، لأنَّ الشَّيطان يُحوِّل صورته إلى شبه ملاك نورٍ، ويستحوذ على عقول الأنبياء الكذَبة، ويُلهمهم الأفكار المُضلَّة البرَّاقة التي هي عكس ما يقوله الرُّوْح القُدُس. انظُر إلى شخص المسيح الذي هو كلمة الله المتجسِّد وخلاصة الوحي كلِّه. ففي حياته ومحبَّته وتواضعه ووداعته تجد مقياس الوحي الصَّحيح. فكلُّ مَن لا يعيش طاهراً مثله، أو يُنكر الفداء الذي أكمله على الصَّلِيْب، ليس بذي وحيٍ حقٍّ.
عندما تفتح قلبك للإعلان الإلهيِّ الصَّحيح تُدرك فجأةً أنَّ الإيمانَ ليس مجرَّد تصديقٍ عقليٍّ، بل هو يقينٌ داخليٌّ أيضاً يخلقه الرُّوْح القُدُس فيك بِوَاسِطَةِ إطاعة إيمانك. فلا نستطيع أن نؤمن تلقائيّاً كما يليق، إنَّما الرُّوْح القُدُس يدعونا بالإِنْجِيْل، وينوِّرنا بمواهبه، ويحفظنا في الإيمان الحقِّ الواحد. وهذا الروح يُنشئ فينا المعرفة أنَّ الله أبونا، وأنَّ المسيح قام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، ويؤكِّد لنا الاشتراك في حياته الأبديَّة؛ فننال بِوَاسِطَةِ الإيمان بصوت الله قوَّةً مِن العالَم غير المنظور.
ويقين الإيمان هذا الموهوب لنا مِن الرُّوْح القُدُس يدوم في التَّجارب، وحتَّى الموت أيضاً، لأنَّه يدفع الإنسان إلى درجة عليا فوق البشر. ففي الإيمان نتَّحد بالله، ونشترك في قوَّته. فإيماننا ليس حركةً قلبيَّةً فقط، بل هو الصِّلة بالله غير المنظور، واليقين بأنَّه يُمسكنا إلى المُنتهى.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ، نَشْكُرُكَ لأنَّ صوتك وصلنا وأوجد فينا الرَّجاء والنُّور واليقين. فقوِّ إيماننا كي نلتصق بك ولو لم نرَك. أعطِنا ألاَّ نتركك، لأنَّك تمسكنا بيدك الحنون. علِّمْنا الثِّقة الثَّابتة وإطاعة الإيمان في ساعة الشَّك كي نصل إلى هدفنا.
السُّؤَال
ما هو الإيمان؟