Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
11:17بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ. قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ وَحِيدَهُ18الَّذِي قِيلَ لَهُ إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ.19إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضًا فِي مِثَالٍ.


لم ينشغل بال إبراهيم لتأخُّر تحقيق رجائه بسبب عدم امتلاكه الأرض فقط، بل إنَّ الله جاء إليه شخصيّاً وامتحنه بعمقٍ. وهذه التَّجربة لم تكن بشريّاً صادرةً مِن لحمٍ ودمٍ، بل إلهيَّة لتنقية الإيمان وامتحانه وإظهار صفائه.
تصوَّر كيف كانت الأفكار في قلب إبراهيم حين أمره الله أن يذبح ابنه البكر بيديه. لقد حطَّمَت محبَّته لابنه قلبَه، ولكنَّ محبَّته لله نزعته مِن تعلُّقه بابنه، حتَّى إنَّه كرَّسه للعليِّ ذبيحاً بألمٍ. لم يُدرك إبراهيم مقاصد الله. فأيُّ إلهٍ هو هذا الذي يطلب ذبح الإنسان؟ لا شكَّ أنَّ إبراهيم كان خاطئاً وابنه إسحق كذلك. فكان حقّاً لله أن يقتلهما كليهما دون تأخُّرٍ. ولكنَّ الرَّب كان قد وعد إبراهيم أن يُنشئ له مِن هذا الابن النَّسل الذي يكون أكثر مِن رمال شاطئ البحر، ومِن نجوم قبَّة السَّماء. فتضاربت الأفكار في رأس الشَّيخ، وتساءل: "هل أنا غبيٌّ، أم الله كاذبٌ؟ هل غلطت في سماع أوامره، أم كان الوحي السَّابق خطأً؟"
وفي هذا الصَّراع النَّفسي الذي لا نستطيع سَبْر غوره نال إبراهيم بصائر عميقةً بِوَاسِطَةِ الرُّوْح القُدُس الذي قوَّى إيمانه لكي يتَّكل على الوحي، واثقاً بصحَّة أوامر الرَّب. فرفض احتجاجات عقله، ولم يسمع لصوت قلبه، وألقى رجاءه بالتَّمام على جودة الله. كان على أبي المؤمنين أن يُكمل هذا الصِّراع منفرداً منعزلاً. ولا يقدر أحدٌ أن ينوب عنه في إطاعة الإيمان. فصلَّى كثيراً، وأراه الرُّوْح القُدُس مِن بعيدٍ في رؤيا أنَّ عند الله حَمَلاً فريداً، حتَّى إنَّه قال لابنه مُجاوباً بهذه العبارة الغريبة: "اللَّهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ". ولعلَّه فكَّر أنَّ الله اللَّطيف سيُحضر له عوضاً عن ذبيحة ابنه خروفاً غريباً في آخر لحظةٍ. فلم يرَ المسيح حَمَل اللهِ النَّائب عن جميع البشر، ولكنَّه شعر مِن بعيدٍ بسرِّ النِّيابة في الذَّبيحة الإلهيَّة، وصرَّح برجائه جهراً.
وعندما وصلا إلى موضع الذَّبح، وربط ابنه الحبيب ليضعه على حطب المحرقة، لم يبقَ لعقله ورجائه مخرجٌ آخر إلاَّ أن يربط إمكانيَّات الله وصدقه معاً، مؤمناً أنَّ القادر على كلِّ شيءٍ سيُقيم ابنه مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ بعد ذبحه، ويُعيده إليه لكي يأتي مِن إسحق النَّسل الكثير الموعود.
هكذا أرى الله إبراهيمَ في صراع الإيمان قيامة المسيح مسبقاً وإمكانيَّة إقامة الناس جميعاً. فالإيمان هو الذي ينال المواعيد والمعارف والتَّعزيات التي تفوق العقل، لأنَّ مَن يبني حياته على الرَّجاء الحقيقي يغلب العالم.
ولمَّا جاء ملاك الرَّب ومنع إبراهيم مِن ذبح ابنه ودلَّه على كبشٍ في العلَّيقة نائباً عن الابن، أصبح إبراهيم غنيّاً في الرَّجاء، وقويّاً في الإيمان، وملتهباً محبَّةً لله. فلهذه الغلبة على نفسه أقسم الله لإبراهيم أن يُسمِّي نفسه في المستقبل إله إبراهيم إِلَِى الأَبَدِ، وأن يُتمِّم وعوده له كلَّها دون تباطؤٍ. وقد تحقَّق هذا القسَم بمجيء المسيح وموته وقيامته، وسيتحقَّق أيضاً عند مجيئه الثاني الذي سيحصل دون شكٍّ. فقد امتحن الرَّب إبراهيم في رجائه، ولكنَّ الرَّجاء غلب وفاز في التَّجربة حتَّى الموت. فالموت ليس نهاية رجائنا، لأنَّ الإيمان يمتدُّ واسطة الرَّجاء إلى ما وراء الأفق إلى الآخرة. فليس مهمّاً أن يأتي المسيح ونحن أحياء، لأنَّه سيأتي أكيداً، وسنراه أيضاً، لأنَّنا سنقوم بابتهاجٍ عظيمٍ، وننطلق إليه في المجد، لأنَّ كلمته متينةٌ وراسخةٌ كالجبل الأشَمِّ.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، نَشْكُرُكَ لأنَّك لم تترك إبراهيم في صراع إيمانه، بل عزَّيته ببصائر الرَّجاء، وأكَّدْتَ له أنَّ كلمتك حقٌّ ويقينٌ. نطلب إليك أن تُقوِّي إيماننا، وتُحيي رجاءنا، لكي نتَّكل على جودتك أكثر ممَّا نثق بعقولنا وخبرتنا. أنت الآتي المُقبِل إلينا عن قريبٍ. آمين.
السُّؤَال
ما هو كفاح الإيمان عند إبراهيم؟