Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
ب: أمثلةٌ مِن أيَّام ما قَبل إبراهيم
(11: 2- 7)
11:2فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ.3بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ.4بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ. فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ وَإِنْ مَاتَ يَتَكَلَّمُ بَعْدُ.


انتظر مستلمو هذه الرِّسَالَة طويلاً مجيء المسيح، وكلُّوا وتراخوا في الإيمان والرَّجاء. فهزَّهم الوَاعِظ هزَّةً قويَّةً، واستعرض أمامهم سلسلة آباء الإيمان منذ بدء الخليقة، أولئك الآباء الذين قادهم الله إلى حدود إمكانيَّاتهم البشريَّة لكي تثبت ثقتهم بكلمته.
وقد برَّر آباء الإيمان هؤلاء إيمانهم. لم ينبع هذا الإيمان مِن أنفسهم فقط، إنَّما صوت الله دعاهم إلى إيمانٍ متزايدٍ. ولكنَّ الله انتظر منهم أن يتَّكلوا عليه ضدَّ ما ألِفُوه، وأن يثقوا به أكثر مِن إطاعتهم القوانين الاجتماعيَّة، ويعملوا ما يأمرهم به، وإن كان ذلك غريباً في الظَّاهر. هكذا دعا الله عبيده إلى إطاعة الإيمان، وبرَّرهم لأنَّهم آمنوا بكلمته.
إنَّ كلمة الله هي سرُّ الكون. فالله لم يُنشئ العوالم بِوَاسِطَةِ السِّحر أو التَّطور غير المنضبط، بل بِوَاسِطَةِ كلمته الفعَّالة فقط. ومَن يدرس قليلاً قوانين الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء يشعر بعظمة المقدرات المستترة في كلمة الله. فهل أدركتَ أنَّ في عبارات الإِنْجِيْل يكمن السُّلطان لخلق عالمٍ جديدٍ؟ إنَّ هذا الإِنْجِيْل موضوعٌ بين يديك، وإيمانك هو مفتاح هذه الكنوز السَّرمدية، كما قال المسيح لمرتا أخت لعازر: "إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ".
وبكلماتٍ بليغةٍ مرتَّبةٍ بطريقةٍ لطيفةٍ غريبةٍ يُرينا الكَاتِب أنَّ نقطة انطلاق المخلوقات لم تكن الظَّاهر الحاضر، بل العالم غير المنظور. فيُريد أن يُجرِّد مستمعيه مِن إيمانهم الدُّنْيَوِي وتمسُّكهم بالملموس، ويُريهم أنَّ ينابيع الكون ومصادره منبثقةٌ مِن رحاب الأزليَّة. فإنَّنا نكون كفَّاراً إن فضَّلنا العالم المنظور على غير المنظور الأزلي، لأنَّ الأخير هو المصدر والحقيقة والهدف.
عجباً أنَّ الوَاعِظ لم يبدأ سلسلة آباء الإيمان بآدم وحوَّاء اللَّذين لم يُطيعا صوت الله المُحذِّر فسقطا في الخطيَّة والموت، بل بدأ السِّلسلة بهابيل وذبيحته. ونجد في تفسير واقعته أجوبةً عديدةً للتَّساؤل: "لماذا قَبل الله ذبيحته، ولم يَقبَل تقدمة أخيه قايين؟" هل لأنَّ الأوَّل كان أقدس مِن الأخير؟ كلاَّ فكلاهما خاطئٌ. وهل كانت الذَّبيحة الدَّموية في نظر الرَّب أفضل مِن تقدمات ثمار الحقول؟ كلاَّ، فالتَّقدمتان غير كاملتين، وكلاهما دنيويٌّ نجسٌ. ألعلَّ هذه الحادثة تُمثِّل الصِّراع القديم بين الحياة البدويَّة والفِلاحة؟ كلاَّ، فالبيئات البشريَّة كلُّها هالكةٌ، وليس أحدٌ أفضل مِن غيره أمام الله. فما هو فضل ذبيحة هابيل أمام الله؟ وما هو سبب رفض تقدمة قايين؟ لقد وثق هابيل بأنَّ الله يَقبَل ذبيحته غير الطَّاهرة، ولا يرفضه رغم خطاياه؛ بينما لم يتأكَّد قايين مِن وجود الله وقبوله تقدماته. فعدم الإيمان سبب رفض قربانه. وإيمان هابيل برَّره عند ربِّة. لم يكن هابيل صالحاً في ذاته، ولكنَّ إيمانه بالله غير المنظور وثقته بمحبَّته غير المحدودة خلَّصاه، فكان رغم موته مخلَّصاً.
يدلُّنا كَاتِب الرِّسَالَةِ المفكِّر في الطُّرق الكَهَنُوْتيَّة على علامةٍ بارزةٍ في شهيد الإيمان الأوَّل هذا. لقد تكلَّم دمه بعد الموت. والدَّم ليس سائلاً كيميائيّاً لحياتنا فقط، بل هو مركز الحياة وحاوي النَّفس. ولهذا السَّبب يتكلَّم دم المسيح حتَّى اليوم، لأنَّه قُدُّوْس ومات لأجلنا لكي نُصبح نحن الأشرار أبراراً. وصوت دم المسيح يصعد إلى عرش الله الذي باستجابته له يُبرِّرنا. فخلاصنا هو جواب الله لصوت دم الابن.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، نَشْكُرُكَ لأنَّك سفكتَ دمك لأجلنا، لينال إيماننا قوَّة تبريرك. سَاعِدْنَا عَلَى الاتِّكال على كيانك في العالم غير المنظور، كيلا تأخذنا التَّيارات الحاضرة وتُبعدنا عن الله، كما حدث لقايين الذي أصبح قاتلاً في بُعده عنك.
السُّؤَال
ماذا يرى الإيمان؟