Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
11:35وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ.36وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضًا وَحَبْسٍ.


لماذا يحتمل كثيرٌ مِن المسيحيِّين الاستهزاء والضَّربات والسّجن والتَّعذيب حتَّى الموت بصبرٍ وطول بالٍ؟ ما الذي يُقوِّيهم على احتمال الألم؟ هل يحصلون على مالٍ أو وظيفةٍ أو مركزٍ مرموقٍ نتيجةً لهذا العذاب؟ كلاَّ. فليس لهم امتيازٌ مادِّيٌّ في هذه الدُّنيا. ولكنَّهم متيقِّنون برجائهم، ومتَّكلون على غير المنظور. المسيح الحيُّ هو ربُّهم المحبوب، وهم لأجل كرامته مستعدُّون أن يحتملوا كلَّ شيءٍ حتَّى الموت، موقنين بمجيء مخلِّصهم وانتصاره على القوى المعادية لله. فوجوده هو الحقيقة في حياتهم.
وهم مع ذلك غير قادرين على الثَّبات مِن تلقاء أنفسهم في الضِّيقات والشَّدائد، لأنَّ جسدهم ضعيفٌ وجبانٌ. ولكنَّ الإيمان يغلب ضعفهم، حسب إرشاد ربِّهم القائل: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ، أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ". فصلاة الإيمان تمنحهم قوَّةً سماويَّةً غير محدودةٍ على احتمال العذاب الذي لا يستطيع الإنسان بطبيعته أن يحتمله.
ونقرأ في الإِنْجِيْل كيف احتمل المسيح الجَلد واللَّطم والبَصق وإكليل الشَّوك. ونظير هذا حصل لبولس أيضاً. فعدوُّ الله يلجأ إلى العنف حين يفشل في حيله ومكايده. إنَّ أساليب التَّعذيب الجسدي سواء بالجَلد أو فلق القدمين أو غيرها هي في الواقع أساليب شيطانيَّةٌ لا يستخدمها إلاَّ الغوغاء عملاء الأرواح السُّفلى.
وتلجأ بعض الحكومات الدِّكتاتوريَّة إلى حَمْل شهود المسيح في المحاكم الرَّسمية، بلطفٍ وحيلةٍ وإغراءٍ، على إنكار اسم المسيح كي يتسنَّى لهم أن يعيشوا حياةً كريمةً بعيداً عن الضَّغط والاضْطِهَاد والإكراه. ويُروى أنَّ شابّاً ذكيّاً موهوباً في إحدى هذه الدُّول طُلِب منه أن يترك اجتماعات الشَّبيبة ويُنكر المسيح لقاء إنجاحه في دروسه وإعطائه الشَّهادة التي كان يطمح في نيلها، ومنحه فوق ذلك منحةً سخيَّةً للِّدراسة العُليا. ولكنَّ الشَّاب ثبت أميناً لاسم الفادي. فأرسلوه غصباً إلى منجمٍ للأورانيوم ليموت موتاً بطيئاً في الأشغال الشَّاقَّة تحت أشعَّة الأورانيوم القاتلة.
فضَّل كثيرون مِن المؤمنين في الماضي موت الشَّهادة على حياة الكذب، عالمين أنَّ الموت في المسيح يعني القيامة إلى الحياة. أمَّا الحياة في رفض الله فتجلب الهلاك. لم يُفكِّروا في قيامةٍ محدودةٍ كتلك التي اختبرها الولد في صَرَفَنْد، أو شاب نايين، أو لعازر، الذين عادوا فماتوا مرَّةً أُخرى؛ بل رجوا القيامة المجيدة بمجيء المسيح التي حسبوها أعظم مِن البقاء على الأرض.
وبعضهم لم يمُت فوراً، أو يتعذَّب طويلاً فحسْب، بل كان عليهم فوق ذلك احتمال أفظع أساليب الاستهزاء بربِّهم وبمسيحيَّتهم إضافةً إلى تعييرهم بالجبن والضَّعف. إنَّ عبارات الاستهزاء تطعن القلب في الصَّميم وتستفزُّ المرء حتَّى يفور دمه ويفقد صوابه فيسقط في تجربة الغضب والرَّغبة في الانتقام. أمَّا المسيح فأحبَّ أعداءه، وبارك الذين استهزأوا بضعفه رغم قدرته العظيمة. لم يغضب، لأنَّه علِم الرُّوح الخبيث الذي لبسهم ودفعهم إلى الاستهزاء به والتَّعدي عليه.
لا حَصْر للتَّجارب التي تحلُّ على المضطهَدين، لأنَّ الشَّيطان يُريد، بآلاف الوسائل، أن يفصل أعضاء جسد المسيح الرُّوحي عن رأسهم. إنَّ فَصْل المؤمن عن الله وإنكاره المسيح هو هدف كلِّ تجربةٍ. وقد كان العطش والجوع والجزية وتعذيب الأقرباء والفقر والاحتقار لكثيرين مِن المسيحيين سبباً للعثرة. كما جرَّب الشيطان هؤلاء الذين انتصروا على هذه التَّجارب كلِّها محاولاً استدراجهم إلى الاستكبار والتَّفاخر بإيمانهم القوي، مصوِّراً لهم أنَّهم أفضل مِن بقيَّة القِدِّيْسِيْنَ.
وإنَّنا نرى في القيود الأليمة والسّجن الطَّويل وغسل الأدمغة وسائل غير لائقةٍ تذلُّ شخصيَّة الإنسان وتهينها. فالشِّرير يقصد كسر عزَّة المؤمن لكي يغدو الأخير نفساً ميتةً، فيفقد شعوره بقيمته حتَّى يقوده شعوره هذا إلى اليأس والجنون وخسارة ربِّه.
طوبى للَّذي يحفظ آياتٍ كثيرةً مِن الكِتَاب المُقَدَّس غيباً، فيستطيع في ساعات الظَّلام أن يُرتِّل في قلبه ترانيم الحمد. إنَّ هذا الإنسان يملك ذخيرةً حيَّةً وكنزاً أبديّاً ومؤونةً لا تنضب. فاملأ قلبك بآياتٍ مِن الكتاب المقدس ما دُمتَ على قَيْد الحياة، كي تجد قوَّةً في ساعات الضَّعف، وتعزيةً في أيَّام الضِّيق. لقد صلَّى المسيح نفسه، وهو على الصَّلِيْب، كلماتٍ مِن المزامير، لأنَّ قلبه المعذَّب صار ينبوع النِّعمة لكثيرين.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ، نَشْكُرُكَ لأجل عذابك ولأجل احتمالك الاستهزاء والقيود والآلام. لقد احتملتَ بغضة جهنَّم وأنت بريءٌ. أمَّا نحن فنستحقُّ كلَّ عذابٍ. ولكنَّك لأجل دمك تُبرِّرنا. املأ قلوبنا بقوَّة روحك كيلا نسقط في ساعة التَّجربة، بل نختبر أنَّ لا أحد يستطيع أن يخطفنا مِن يدك.
السُّؤَال
لماذا يظلُّ كثيرٌ مِن المؤمنين ثابتين في إيمانهم رغم العذاب والتَّجارب والاستهزاء والسَّجن؟