Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
11:37رُجِمُوا نُشِرُوا جُرِّبُوا مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ.38وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ.39فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإِيمَانِ لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ40إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئًا أَفْضَلَ لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا


ليس الإيمان كفالةً لحياة الرَّاحة، فكثيراً ما يقود الله المؤمنين إلى الآلام وليس إلى النَّجاح والفوز، فيدعوهم لتمجيد اسمه في العذاب، علماً أنَّ سبب ضيقهم ليس ذنبهم، بل مشيئة ربِّهم. فهو قادرٌ أن يحفظ أولاده المحبوسين، ويمنحهم انتصارات الإيمان؛ كما أنَّه يُكملهم بعض المرَّات بِوَاسِطَةِ الضِّيقات والعذاب وموتهم شهداء.
إنَّنا نعلم أنَّ الأنبياء الكذبة قد نشروا جسد إشعياء النَّبي بمنشار ضخمٍ؛ ولكنَّ فمه ظلَّ يتكلَّم بالرُّوْح القُدُس حتَّى قطعوا جسده قطعتين. ونعلم مِن خبرٍ آخَر أيضاً أنَّ إِرْمِيَا قد رُجم، وكذلك استفانوس الذي كان يُصلِّي مِن أجل أعدائه بينما كانت الحجارة تنهال عليه كالمطر، واستودع روحه في يدي المسيح الحي.
والنَّبي أوريا قُطِِعَ رأسه بالسَّيف بأمرٍ مِن الملك يهوياقيم (إِرْمِيَا 26: 20- 23). وكذلك يُوْحَنَّا المعمدان الذي قُطع رأسه بالسَّيف أيضاً نتيجة بغض امرأة الملك هيرودس لهذا القدّيس وحقدها عليه. والأغلب أنَّ بولس الرَّسول أيضاً قد قُتل بالسَّيف. إنَّ هذه الأخبار ليست أساطير، بل حقائق تتحدَّث عن رؤوسٍ قُطِعَت حقّاً عن أجسادها. أمَّا المسيح فيبقى رأس كنيسته، ويظلُّ هكذا إِلَِى الأَبَدِ رأسَها.
كان الموت لكثيرٍ مِن المؤمنين، في جميع الأزمنة، إكمالاً لإيمانهم. فتمَّت فيهم كلمة الرَّب القائلة: "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ." هل أنت مستعدُّ يا أخي أن تتألَّم وتموت لأجل المسيح؟ إنَّ إيمانك ليس ظنّاً فقط، بل تجد فيه القوَّة العظيمة القادرة على احتمال هذا العذاب.
ولكنْ لم يتعذَّب ويَمُتْ جميع المضطهَدين لأجل اسم الرَّب، فقد هرب كثيرون منهم إلى بلدانٍ نائيةٍ، ولم يجدوا عملاً ولم يملكوا بيتاً أو مُلكاً، فأصبحوا بعد ثرائهم فقراء بملابس ممزَّقةٍ ومظهرٍ حقيرٍ؛ فاختفوا في المغاور والكهوف، وذاقوا مرارة الجوع والعطش. وازداد الحزن فيهم لمَّا رأوا نساءهم وأولادهم وشيوخهم ومرضاهم يتألَّمون لأجل محبَّتهم للرَّب. ولكنَّهم جميعاً فضَّلوا فقدان الفردوس الدُّنْيَوِي الكاذب حتَّى لا يُخطئوا الباب المفتوح إلى السَّماء، وأحبُّوا رغم حالتهم السَّيئة أعداءهم، وباركوا مضطهديهم على الدَّوام. هربت عائلةٌ أرمنيَّةٌ مِن أعدائها، واختبأت في مغارةٍ. وبينما كان الطِّفلان يرتجفان برداً وجوعاً وضعفاً أمام والدَيهما، صلَّى الوالدان معاً الصَّلاَة التَّالية: "يا ربَّنا يسوع الحيّ، نُسلِّم لك هذين الطِّفلين لتجعل منهما مبشِّرَين، فيرجعا في المستقبل إلى مضطهدينا ويكرزا بخلاص محبَّتك، ليتغيَّروا ويهتدوا".
إنَّ العالم، في الواقع، لا يستحقُّ أناساً مثلهم، كما أنَّ البشر لم يستحقُّوا المسيح أيضاً. فمجيئه وإرساله شهوده إلى العالم الشِّرير ما كان إلاَّ نعمة. الدُّنْيَوِي يحتقر الرُّوحاني. أمَّا المولود مِن محبَّة الله فيسعى إلى تخليص الضَّالين في الخطايا. إنَّ روح المسيح وهدفه لن يتغيَّرا.
فما هو سرُّ هؤلاء الشُّهود في العهدين القديم والجديد؟ لقد حملوا شهادة الرُّوْح القُدُس في قلوبهم، وعلموا أنَّ الله هو الإله الحقيقي وأنَّ المسيح حيٌّ، ونالوا الحياة الأبديَّة بِوَاسِطَةِ إيمانهم. فقوَّاهُم عربون المجد الآتي هذا على رفض الكنوز الدُّنْيَوِية، حتَّى اعتبروا حرِّيتهم وحياتهم ضئيلتين، فلم يرتدُّوا عن ربِّهم الحيِّ، بل كان ارتباطهم القلبيُّ بِيَسُوْعَ قويّاً، حتَّى إنَّهم قطعوا رباط الدَّم مع أهليهم، وفضَّلوا علاقة الرُّوْح القُدُس. فعلينا أن نتعلَّم مِن جديدٍ أنَّ كلمة شهادة الرُّوْح القُدُس في قلوبنا تحوي فرعين: أن نكون شهوداً للمسيح بالسُّلوك والبيان، وأن نكون شهداء حتَّى الموت. وربَّما تعلَّق الأمران أحدهما بالآخَر لتتمَّ شهادة الرُّوْح القُدُس كاملةً فينا.
يقول كَاتِب الرِّسَالَةِ، كخلاصةٍ لجدول آباء الإيمان، إنَّ هؤلاء البارزين في الأمانة كلَّهم لم ينالوا تحقيق موعد مجد الله في حياتهم، رغم ثباتهم في الإيمان. فما هو سبب تأخُّر هذا الموعد؟ إنَّه ليس إلاَّ نحن، كي نشترك نحن أيضاً في إكماله. فالله وفَّرهم للآلام كي تُتاح الفرصة لنا أيضاً لدخول مجد الإيمان. وقد كتب بولس أنَّ آلام جسد المسيح تحتاج إلى الإكمال، كما قد قيل للشُّهداء في السَّماء أن ينتظروا قليلاً حتَّى يكتمل عدد المعذَّبين.
لا نعلم أفكار الله العمليَّة عن حياة الأفراد، إنَّما نعلم الهدف وهو كمالهم ونيل المجد الموعود. فممكنٌ أن نموت في سبيل المسيح. ولكنَّ هذا لا يُغيِّر الحقيقة أنَّه حيٌّ ويشفع فينا ويأتي قريباً. إنَّ وعده لا يتزعزع، وسنراه كما آمنَّا به، وننال ما تمسَّكنا بميثاقه.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ، نَشْكُرُكَ بحمدٍ وفرحٍ لأنَّ شهادة الرُّوْح القُدُس في أولادك فعليَّةٌ وقويَّةٌ. إنَّهم يحتملون العذاب والموت والخوف والفقر كيلا يفقدوك. ثبِّتنا في اتِّباعك، لأنَّك قد تألَّمت شخصيّاً بهذه الضِّيقات كلِّها، ويمكنك أن تشعر شعورنا. سَاعِدْنَا عَلَى أن نُحبَّ بعضنا بعضاً بلا انقضاءٍ، ونترقَّب مجيئك، كي نشترك بمجدك بإيماننا.
السُّؤَال
ما هو السَّبب أنَّ كثيرين مِن المسيحيين يحتملون الموت والحرب والفقر؟