Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
5- سيروا بصبرٍ في سِبَاقِ المحبَّة والرَّجاء
(12: 1- 3)
اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ 1لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوضُوعِ أَمَامَنَا2نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ


يعيش القِدِّيْسُوْنَ الرَّاقدون كلُّهم اليوم، وكذلك المؤمنون المعذَّبون الذين قضَوا نحبهم واكتملوا بالمسيح بِوَاسِطَةِ آلامهم، في رحاب السَّرمديَّة، كلعازر المسكين الذي ارتاح في حضن إبراهيم. وجميعهم يترقَّبون بشوقٍ مجيء المسيح وإشراق مجده على الأرض، لأنَّه ليسوا أمواتاً، بل أحياء مستعدِّين للقيامة، وهم يرَون ويسمعون ويُلاحظوننا. والأموات في المسيح يمتلئون بالحياة الأبديَّة، والرُّوْح القُدُس يسكن فيهم.
والشُّهداء في السَّماء هم شهود العيان لسيرة حياتنا. وهم يُحيطون بالأرض كسحابةٍ كبرى. ولعلَّ كَاتِب الرِّسَالَةِ تصوَّر ملعباً رياضيّاً بمدرجه الواسع الذي يضمُّ ألوف المشاهدين الذين يُراقبون باهتمامٍ نتائج السِّباق. ونحن كراكضين فيه حاملين مشعل الإِنْجِيْل في أيدينا، بعد أن سلَّمه إلينا المؤمنون مِن قبلنا. فهل نُكمل السِّباق فائزين، ونجتهد بكلِّ قوانا وصبرنا ومواظبتنا ولياقتنا؟ هل نُسلِّم مشعل الإِنْجِيْل إلى أبناء الجيل الطَّالع كي يركضوا هم أيضاً لمجد المسيح؟ هل نستعدُّ للتَّضحية الكلِّية لنربح الأعلى الكلِّي؟
وعلى مدرج هذا الملعب يُراقبنا جميع القِدِّيْسِيْنَ، كبولس وبطرس ويُوْحَنَّا وإبراهيم وموسى وداود وغيرهم. وليست رسائل هؤلاء ومزاميرهم سوى نداءات لتنشيطنا كيلا نكلَّ، بل نركض بحكمةٍ وتخطيطٍ، ونبذل آخر نسمةٍ مِن حياتنا في هذا السِّباق السَّماوي على الأرض. ونصيحة الكَاتِب إلى العِبْرَانِيِّيْنَ الأولى بخصوص هذه المسيرة هي: "اطرحوا كلَّ ثقلٍ عنكم، لأنَّ الهموم والأماني والأملاك والكتب والأشياء الدُّنْيَوِية كلّها تؤخِّركم في سباقكم لأجل المسيح". الرِّياضيُّ يَخلع جميع ملابسه ما عدا ثوب الرِّياضة الخفيف. فإن شئت أن تركض لأجل يسوع، يَنْبَغِي لك أن تتحرَّر مِن جميع مشاكلك وهمومك... وحتَّى مِن ذاتك، فتنسى مَا هُوَ وراءك، وتمتدّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، إلى ربِّ الكون والمجد.
أمَّا نصيحته الثَّانية فهي: "اطرح الخطيَّة المحيطة بك بِسُهُولَةٍ، هذه الخطيَّة الملتفَّة على جسدك كالحيَّة". كان نسرٌ كبيرٌ يُحلِّق في كبد السَّماء، وأخذ يرتفع ويرتفع في الأعالي حتَّى بدا للأنظار كنقطةٍ صغيرةٍ جدّاً في السَّماء. وفجأةً توقَّف عن التَّحليق، وهوى إلى الأرض جثَّةً هامدةً لا حياة فيها. وتبيَّن عِنْدَئِذٍ أنَّ حيَّةً صغيرةً كانت كامنةً داخل ريشه، وعندما شعرَت ببرودة الأجواء العالية لدغت ملك الأجواء، فهوى مِن الأعالي إلى الأرض ميتاً. فاحذر يا أخي الخطيَّة الكامنة فيك التي تُحبُّها وترعاها في قلبك، لأنَّ هذه الخطيَّة ستُفشِّلك، فلن تقوى على متابعة السِّباق. إنَّ هذه الخطيَّة ستستعبدك وتُذِلُّك، فإمَّا أن تسقط بسببها وتخسر السِّباق، أو أن تنتزعها عنك بعزمٍ وتصميمٍ وتُلقيها باشمئزازٍ، كما يُلقي الإنسان الأفعى عنه، لأنَّها خطر مُميتٌ وسمٌّ زعافٌ، ومِن ثمَّ تتابع السِّباق حتَّى النِّهاية. إنَّ المسيح يُساعدك على التَّخلُّص مِن الخطيَّة، إن شئتَ حقّاً أن تتخلَّص منها. فاطلب إليه أن يُساعدك، وألقِ أفعى الخطيَّة عنك، وهيَّا إلى السِّباق السَّماوي بعزمٍ ثابتٍ وقوَّةٍ وتصميمٍ.
يَنْبَغِي ألاَّ نتوانى عن الحضور إلى السِّباق، إلى خدمة المسيح طوعاً. لا أن نبقى واقفين على هامش الحياة نُراقب سباق الآخرين على أرضنا. اطرح عنك ثوب الكسل والتَّأجيل والأنانية يا أخي، فأنت تسير شئتَ أم أبيتَ على طريق الأبديَّة. انظر إلى ماضيك. تأمَّل الوقت الطَّويل الذي أنفقته مِن عمرك في أمور الحياة الزَّائلة، وأنت تؤجِّل، والخطيَّة الكامنة فيك تنمو وتترعرع كحيَّةٍ قاتلةٍ لا بدَّ أن تقضي عليك إنْ لم تنتفض وتقتلها فوراً، وتُكرِّس حياتك للمسيح قبل فوات الأوان، واهباً له كلَّ وقتك ومالك ومحبَّتك، حاملاً الإِنْجِيْل إلى العالم. البوق يدعو، والرَّصاصة تنطلق معلنةً بدء السِّباق. فهل أنت مستعدٌّ الآن للانطلاق؟
لا تأتِ إلى السِّباق بحماسٍ عاطفيٍّ ظاهريٍّ، بل ابدأ بصبرٍ وتركيزٍ، واضعاً نصب عينيك بلوغ الهدف، وواعياً جميع المصاعب والمشقَّات التي ستواجهها.
إنَّ الجهاد في سبيل المسيح ليس سهلاً، ولا يتمُّ بالسَّيف ولا بالرَّشَّاش، بل بالمحبَّة والفرح والسَّلام والحقِّ والتَّواضع، لأنَّ الكفاح المسيحيَّ المسلَّح روحيٌّ وليس دنيويّاً. ولن يكون سهلاً أن تواصل السِّباق إذا داس أحد الإخوة المشتركين على قدمك، أو لكزك لتقع. وهنا يتحقَّق قول المسيح: "أحبّ أعداءك، وأحسن إلى مُبغضيك، وبارِك لاعنيك".
ويزداد استياؤك إذا لامك الحكم وأنحى باللائمة عليك، أو زجَّك في السِّجن، أو صادر أموالك عقاباً لك، أو قتلَك ظُلماً. فلا تحزن، لأنَّ فرح الرَّب هو قوَّتك.
وقد عيَّن المسيح لك سبيلاً خاصّاً لسباقك. فلربَّما عليك أن تركض في وضح النَّهار بدون مصاعب، أو في اللَّيل بمخاوفه، أو في الحَرِّ المُميت، أو في البرد والمطر والرِّيح. فالجهاد موضوعٌ أمامك والطَّريق معيَّنٌ. وليس مُهمّاً في السِّباق السَّماوي إن ذهب زملاؤك في طريقٍ آخَر، لأنَّ ربَّك عيَّن لكلِّ مؤمنٍ طريقه حسب طاقته وقدرته. فلا تطلب خطّاً آخَر مخصَّصاً لغيرك، بل اركض في سبيل الله كما أرشدك فتنتصر.
وإن تعبتَ وشئتَ أن ترمي الصَّلِيْب الرُّوحي عنك، وصار طريقك وعراً في ارتفاعه، فلا تركض ورأسك متراخيةٌ إلى الأرض، ولا تلتفت إلى المشتركين في السِّباق، ولا تنظر إلى القِدِّيْسِيْنَ السَّابقين أمامك كمثَلٍ أعلى، بل ارفع عينيك إلى يسوع مباشرةً، لأنَّه ركض هو أيضاً في سباق المحبَّة وفاز في النِّهاية.
انظر إليه لأنَّه هو البداية والنِّهاية. هو الذي دعاك إلى الجهاد، وعيَّنَ طريقَك، وعرَّفك بمقدار قدرتك. إنَّه هو الذي زرع بذرة الإيمان فيك، ويعتني بك، ويُرافقك، ويُعطيك الغذاء الروحي أثناء سباقك، ويُريد تقويتك، ويرحمك كثيراً. وهو يُدرِّبك ويُكمِّلك أيضاً كيلا تسقط مِن المحبَّة، بل تثبت بالتَّواضع.
وإذا نظرتَ إليه ترَ الكاهن العظيم، المحبَّة، وهو يكهن لأجل الآخرين؛ فيتغيَّر مجرى حياتك، ولا تركض لأجل نجاح نفسك فقط، بل تفكِّر في زملائك، وتُدرك تعبهم، وتأخذ بيدهم، وتجرّهم معك، وترفع السَّاقطين بصلواتك، لأنَّ الرَّب جعلك بِوَاسِطَةِ تعمُّقك في كَهَنُوْته كاهناً راكضاً بقلبٍ شكورٍ.
وفي نهاية سباقك، يستقبلك المسيح ويُعانقك ويحملك ويُجلسك في رحاب راحته، لكي تثبت فيه وهو فيك إِلَِى الأَبَدِ. عِنْدَئِذٍ لا ينتهي الفرح، لأنَّك حقَّقْتَ هدف مسيرة حياتك.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، قد دعوتَني إلى سباق الإيمان، وأطلقتَني إلى جهاد المحبَّة. قوَّتي هزيلةٌ وصبري ضئيلٌ. اخلع عن نفسي جميع الخطايا، وعلِّمني رمي الهموم عنِّي. قوِّ إرادتي لمسامحة الآخرين، وساعدني على إطاعتك كيلا أترك الخطَّ المعيَّن مِن عندك، بل أركض بكلِّ قوَّة جسدي ونفسي لأنالك، وأربح القيامة مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، وأسند بمعرفة محبَّتك كثيراً مِن المُتْعَبين، وأرفع السَّاقطين، كي نكتمل معاً بنعمتك.
السُّؤَال
ما هي أهمُّ النَّصائح التي يُقدِّمها الكَاتِب للمشتركين في سباق المسيح والجهاد في سبيله؟