Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
9- مَلَكُوْت الله يأتينا بعد تزعزع السَّموات والأرض
(12: 25- 29)
12:25اُنْظُرُوا أَنْ لاَ تَسْتَعْفُوا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ أُولَئِكَ لَمْ يَنْجُوا إِذِ اسْتَعْفَوْا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الأَرْضِ فَبِالأَوْلَى جِدًّا لاَ نَنْجُو نَحْنُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ26الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ الأَرْضَ حِينَئِذٍ وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلاً إِنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا.27فَقَوْلُهُ مَرَّةً أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ.28لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوْتاً لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِِ نَخْدُمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى.29لأَِنَّ إِلَهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ


استعفى شعب موسى مِن استمرار سماع صوت الله عند جبل حوريب، خوفاً مِن الرَّب المخيف وقداسته. ولكنَّ الناموس سبقهم، والدَّينونات حلَّت عليهم، لأنَّ الرَّب اختارهم ودعاهم وقَبِلهم في عهده؛ فبقوا مرتبطين به وهو مرتبطٌ بهم.
لا يستطيع الدَّاخلون مع الله في العهد الجديد أن يهربوا منه منه، بل يظلُّون مرتبطين به إِلَِى الأَبَدِ. لقد اخترتَ الله، فعِش لأجله، لأنَّك إن لم تعِش لربِّك فأنت ضدَّه. امتحِن نفسك: هل قبلت الله الآب والابْن والرُّوح القُدُس حقّاً، أم إنَّك تُراعي معارضةً ضدَّه في قلبك؟ إنَّ مَن يرفض خالقه لا يجد راحةً لا في الدُّنيا ولا في الآخرة.
والعجيب أنَّ كَاتِب الرِّسَالَةِ إلى العِبْرَانِيِّيْنَ، في محبَّته لأعضاء كنيسته، شمل نفسه أيضاً معهم، واعتبر نفسه مِن الموشكين على الارتداد؛ لأنَّه إن سقط واحدٌ منهم، فكأنَّما الجميع سقطوا؛ فهُم جسد واحدٌ، وروحٌ واحدٌ، وقد وحَّدَتهم المحبَّة معاً. لقد تواضع المعلِّم العظيم حتَّى اعتبر نفسه واحداً مع المتعَبين في الكنيسة، وتألَّم مِن رجائهم النَّاقص وعدم إيمانهم، حتَّى تصوَّر نفسه مِن المرتدِّين.
"لا ترفضوا صوت الله! اليوم إن سمعتم صوته، فلا تُقسّوا قلوبكم". هذه هي صرخة باني النُّفوس الذي حاول في سلطان الرُّوْح القُدُس أن يهزَّ القلوب القاسية؛ فرسم أمام أعينهم مجد العهد الجديد ليرجعوا إلى أبيهم السَّماوي، ويثبتوا في النِّعمة الحقَّة.
ولم يخَف الوَاعِظ مِن أن يُعلن لرعيَّته الرُّعب المقبِل والزَّعزعة الآتية. فقبل أن يأتي المجد، لا بدَّ أن تحلَّ الضِّيقات. وقبل إكمال الكّلِّ يأتي التَّزعزع الكبير وإزالة الكون، تمهيداً للخليقة الجديدة الرُّوحية. وهذا التَّغيير العامُّ لا يشمل الأرض والنُّجوم والشُّموس فقط، بل السَّماوات أيضاً التي مرَّ المسيح منها؛ لأنَّه يجلس اليوم فوق السَّماوات يشفع فينا. فالسَّماء مخلوقةٌ كما نقرأ: "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ."
ولكنَّ مَلَكُوْت أبينا السَّماوي ليس مخلوقاً، بل هو مولودٌ مِن الرُّوْح القُدُس. ولذلك سيكون المستقبل الإلهي روحيّاً لا مادِّياً. قال المسيح: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوْت اللَّهِ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوْت اللَّهِ." وهذا القول يُرينا الفرق بين مَلَكُوْت أبينا والسَّماوات التي تزول. أمَّا المولودون مِن الرُّوْح القُدُس فيعيشون إِلَِى الأَبَدِ. والأبرار المُكملون هم جميعاً مَلَكُوْت الله، وهم لا يزولون أبداً، لأنَّهم كبنيانٍ مرصوصٍ بالحقِّ الأزلي.
إنَّ مَن يشعر، ولو قليلاً، بعرض وطول وعمق وعلو محبَّة الله يسجد للثالوث الأقدس طوعاً. فالشُّكر هو جواب الإنسان الوحيد للنِّعمة.ومَن يتدرَّب على الشُّكر يُكرِّس حياته لله حمداً لمحبَّته. أمَّا الذي لا يشكر ربَّه مِن أعماق قلبه فهو ليس عائشاً في العهد الجديد، بل بعيداً عن خالقه. إنَّ المفديَّ بدم المسيح يصبح خادماً لله، ويُقدِّم جسده ووقته وأمواله ذبيحةً مرضيَّةً لمخلِّصه. وأولاد الله المخلصون قد أصبحوا كهنةً وملوكاً وخدَّاماً وذبائح روحيَّةً، وهم يشبهون بصفاتهم المسيح قدوتهم. فهُم ليسوا مجرَّد بشَرٍ يأتون بثمار الإنسانيَّة فقط، بل هم أبناء الله الذين يأتون بثمار الرُّوْح القُدُس.
فلا عجَبَ إذا سمعنا، في أواخر هذا الأصحاح، كلاماً عن الخوف والخشوع والرُّعب. فنحن لا نعيش بعد في الكمال، بل على الأرض. ونحن مجبولون بالموادِّ الدُّنْيَوِية، وميَّالون إلى الخطايا المحيطة بنا. لذلك خيرٌ لنا أن نحبَّ الله ونخافه فِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ، عالمين أنَّ الله المحبَّ نارٌ آكلةٌ لكلِّ مَن لا يتجدَّد، وكذلك لجميع الذين يرتدُّون إلى شهوات الدُّنيا الفانية.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الآبُ السماوي، أنت نارٌ آكلةٌ، وستحرق السَّماوات والأرض، كما أنبأ روحك القُدُّوْس. نحمدك لأنَّك جدَّدْتَنا وأكَّدْتَ لنا مجيء مَلَكُوْتك، ولأنَّك تخلق أرضاً جديدةً وسماءً جديدةً، ليس مِن مادَّةٍ زائلةٍ، بل مِن روحك القُدُّوْس. نحمدك أيضاً لأنَّك ولدتَنا ثانيةً لنرى مجدَك. احفظْنا باسم ابنك تحت رشِّ دمه، كيلا نزول في ساعة النَّار، بل نبقى إِلَِى الأَبَدِ.
السُّؤَال
مَا هُوَ الفَرْقُ بين السَّماء ومَلَكُوْت الله؟