Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
6- آلامكم نعمةٌ لتقديسكم
(12: 4- 11)
12:4لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ5وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ.6لأَِنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنِ يَقْبَلُهُ.


النَّاس كلُّهم أشرار. الخطيَّة تتمركز في عظامنا، والشَّهوة تمتلك أجسادنا، والاستكبار يُسمِّم شعورنا الباطني. فالإنسان، كلُّ إنسانٍ، هو رزمةٌ مِن دوافع الشَّر.
ولا يستطيع أحدٌ أن يتغلَّب على نوعيَّة دمه. وأنت لا تستطيع أن تهرب مِن طبيعتك وأخلاقك الفاسدة، لأنَّ هذا التَّغيير، إن شئتَ أن تُحْدِثه، يحتاج إلى تدخُّلٍ مِن خارج ذاتك. فالغارق في الوحل لا يستطيع أن يمدَّ يدَين مِن خارج جسمه لتنتشلاه مِن الحمأة. وكذلك الشَّجرة لا تشذب نفسها بنفسها، بل يأتي البستانيُّ ليقصَّ الأغصان غير النَّافعة، ويُطعِّمها لتأتي بثمرٍ صالحٍ. والولد العنيد لا يُربِّي نفسه بنفسه، بل يضربه أبوه ليتعلَّم بِوَاسِطَةِ الخوف والألم التَّرتيب والنِّظام والاجتهاد واللِّياقة. فبدون تربيةٍ ينمو الإنسان معوجاً ويبقى شرساً.
ونَعلم أنَّ التَّربية في ذاتها هي أمرٌ مِن خارج الإنسان، فالثَّقافة مهما بلغَت لا تستطيع أن تُغيِّر القلب المخادع. إنَّ مَن يدخل إلى تربية الله وحده يتجدَّد في أعماق جوهره. ولكنَّ جسدنا وإرادتنا بطيئان، ولا يُطيعان جذب الرُّوْح القُدُس بسهولةٍ. عِنْدَئِذٍ يستخدم الله بمحبَّته أمراضاً وضرباتٍ وكوارث، ليكسرنا ويُربِّينا. فللآلام في حياة أبناء الله معنىً عميقٌ. إنَّها لا تعني هجوماً شيطانيّاً، بل هبة مِن الله. هكذا قال بولس: "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعَاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ". إنَّ ربَّك يُهذِّبك بضيقاتٍ وصعوباتٍ إن عارض جسدك الرُّوْح القُدُس. فالمسيح هو رئيس إيمانك ومُكمِّله. وحينما يتباطأ نموُّك في التَّواضع والمحبَّة يُرسل عليك أناساً صعاباً وظروفاً متعبةً، لكي تيأس مِن قدراتك الشَّخصية وتلتجئ أبيك السَّماوي طالباً النَّجدة، وتُدرك أنَّه وحده الذي يُخلِّص ويُطهِّر ويُبارك، ويحملك ويُثبِّتك في النِّعمة. فلا تشتُم آلامك، ولا تَلُمْ خصمَك، بل لُمْ نفسك. أدرِك أنانيتك، واشمئز مِن حساسيتك، وتعجَّب مِن تأوُّهك.
ربَّما تكون قد صلبت نفسك مع المسيح ميتاً عن خطاياك. ولكنْ ها أنتَ تُقيم جسدك القديم مرَّةً أخرى، قاصداً النُّزول عن الصَّلِيْب في سبيل إرضاء ذاتك وأنانيتك. اثبُتْ في الصَّلِيْب، وأحبّ صليبك، لأنَّك تستحقُّ الصَّلب. ومهما اشتدَّت وطأة الآلام والمصاعب فأنت تستحقُّها بآثامك وعيوبك. ليس لك حقُّ البقاء، ولا امتياز الصِّحة. إنَّ الآلام كلَّها تدفعك نحو الله، وكلّ لحظةٍ في حياتك هي نعمةٌ مِن ربِّك.
مات ولدٌ وحيدٌ لوالديه وهو طفلٌ. فقال الوالد المؤمن: "كم يُحبُّنا الله، أنا وزوجتي، حتَّى ضربنا هذه الضَّربة الأليمة. فهو يُريد أن يُقرِّبنا إليه أكثر، ويُعلن محبَّته العظمى لنا، حتَّى نستطيع أن نُعزِّي الآخرين". لقد فهم هذا الوالد معنى آلامه، وأكرم اللهَ أباه وسط يأسه.
كانت ثمَّة عجوزٌ مشلولة مُضجَعة على سريرها بلا حراكٍ. ولكنَّها كانت ممتلئةً بالرُّوْح القُدُس. فكان الحزانى يتقاطرون عليها مِن كلِّ حدبٍ وصوبٍ ليتعزَّوا بمحبَّتها لله وصبرها الذي لا ينفد.
قال أعمى مُفعمٌ بالحيويَّة والانتعاش والدَّوافع التَّبشيرية: "أعطوني مكبِّر صوتٍ لأعتلي سطح بيتي وأنادي جميع المارَّة قائلاً لهم: " المسيح حيٌّ، وهو يُحبُّكم؛ فتوبوا عاجلاً وإلاَّ سقطتم في الهلاك".
أخي العزيز، لم نكن نحن المعزِّين لهؤلاء المُصابين، بل هم الذين عزّونا، لأنَّهم قَبِلُوا يد أبيهم التي ضربتهم وقبَّلوها، فلم يحتقروا تأديب الرَّب، بل أدركوا أنَّ ضيقهم نبع مِن محبَّته، وآلامهم دالَّةٌ على قبولهم لديه وتبنِّيهم مِن قِبَلِه.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ، إرادتي عنيدةٌ، وجسدي أنانيٌّ. أَشْكُرُكَ لأجل كلِّ إنسانٍ صعبٍ وضعتَه في حياتي كي تكسر بواسطته كبريائي. علِّمني الشُّكر الدَّائم وسط الآلام، وإسكات قلبي وسط العذاب، كيلا أتذمَّر منك، بل أعرف محبَّتك فأحمل الصَّلِيْب وأتبعك.
السُّؤَال
ما هو موقف المسيحي تجاه الآلام؟