Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
12:7إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ.8وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ.


وقع مستلمو الرِّسَالَة في تجارب واضطهادات. فقد صودِرَت أملاكهم. وظهرت بوادر اضطهاداتٍ جديدةٍ، فكلّوا، وضعفوا، ومالوا إلى الارتداد، وفضَّلوا إيماناً أكثر راحةً وأدعى للأمان، لأنَّهم لم يفهموا معنى العذاب والاضْطِهَاد. عِنْدَئِذٍ انتصب الوَاعِظ بقوَّةٍ، ولم يقُل لهم بلطفٍ: "حرامٌ! كم أنتم معذَّبون أيُّها القِدِّيْسُوْنَ!" بل قال لهم قوله الغريب: "إنَّكم تستحقُّون ضربات الله، لأنَّكم غير كاملين في الرَّجاء والمحبَّة. وأبوكم السَّماوي يستخدم الاضْطِهَاد لتربيتكم وتعزيتكم بالعصا". وهذا القول لا يعني تدليعاً رخيصاً، بل تربية قاسية تكون للرِّجال. فالمحبَّة لا تمسح الدُّموع فقط، بل تُربِّي على احتمال الآلام بدون دموعٍ.
إنَّ لآلامنا غايةً عميقةً وهي تربيتنا. فليس القصد إماتة الأنا بالتَّعمُّد والحزم بالطَّريقة البوذيَّة، ولا تحمُّل المصائب بالاتِّكاليَّة دون حركةٍ أو نشاطٍ، بل إنَّ الآلام تحثُّنا على تنقية أنفسنا في اتِّباع المسيح، لننمو في المحبَّة، ونُمارس الغفران، ونشكر ربَّنا على الدَّوام. كتب الرَّسول يعقوب في رسالته: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ." فانظر إلى المسيح. إنَّه القدوة الفُضلى. وقد تعلَّم الطَّاعة ممَّا تألَّم به. فآلامه أكملته، علماً أنَّه كان دائماً كاملاً. وأمَّا نحن فناقصون ومحتاجون إلى تأديب الرَّب لنتحرَّر مِن حُبِّ المال والشهرة. والمسيحيُّون كلُّهم بحاجةٍ إلى مدرسة تأديب الله.
"لماذا أخذ الله ابني الوحيد؟" هكذا صرخت أرملةٌ في ثورة قلبها على الله، وهي لم تُدرك أنَّ أباها السَّماوي أراد تحريرها مِن صنم رجائها كي يربطها كلِّياً به. فالله يُشبه الكرَّام الذي يُنقِّي كلَّ غصنٍ في كرمته يأتي بثمرٍ كي يأتي بثمرٍ أكثر، ويقطع كلَّ غصنٍ لا يأتي بثمرٍ ويُلقيه في النَّار. فالتَّنقية نعمةٌ وليسَت ثقلاً. والضِّيق ذو معنىً، وهو لا يأتي مصادفةً.
إنَّ الآباء الدُّنْيَوِيين، الذين يقفون أمام الله بالتَّقوى، يؤدِّبون أبناءهم بالحقِّ والتَّربية الصَّحيحة. ولكنَّ الآباء العائشين بدون خوف الله لا يؤدِّبون أولادهم، بل يُدلِّلونهم ويحجبونهم عن أفضل ثروةٍ في المحبَّة، وهي التَّربية الشَّديدة على احتمال الضِّيقات. فلا يحقُّ لأحدٍ في تأديب أولادٍ غرباء عنه. فقد لا يكون لديه اهتمامٌ بفسادهم أو صلاحهم، فيحتقرهم بسبب غوغائيَّتهم. ولكنَّه يتألَّم مِن شراسة ابنه، فلا يضربه بسرعةٍ، بل يُصلِّي لأجله، ويُكلِّمه بلطفٍ أو بصراحةٍ؛ وأخيراً قد يُضطَرُّ إلى ضربه بمحبَّةٍ ليحفظه مِن السُّقوط في الخطيَّة.
الله أبونا. وهو يُكلِّمنا بلطفٍ، ويُحذِّرنا بتخويفٍ، ويجذبنا بمحبَّةٍ، ويُرسل إلينا رُسُله لنطيعه ونتغيَّر إلى صورة قداسته. ولكنْ إذا عارضنا جذب روحه على الدَّوام، يؤدِّبنا بآلامٍ صارمةٍ. فمحبَّته هي الدَّافعة لتأديبنا وسبب لآلامنا. وكما يتألَّم الأب الدُّنْيَوِي وينجرح قلبه في تأديبه لابنه، هكذا يتألَّم الله معنا إذا أسقط علينا ضرباتٍ. وهو فوق ذلك يُحبُّنا جدّاً حتَّى إنَّه بذل ابنه الوحيد عوضاً عنَّا. ما أعظم محبَّته! إنَّ له كلَّ الحق، بعدَما دفع هذا الثَّمن الغالي، ألاَّ يُوفِّرنا مِن ضربات محبَّته، لأنَّه تبنَّانا ويشاء أن نتقدَّس ونثبت في الصِّدق والطَّهارة. والرَّب يُدخل جميع المسيحيين، بعد بلوغهم النُّضج الروحي، إلى مدرسة الآلام. فضيقهم ليس علامةً على انخفاض مستواهم الرُّوحي، بل هو على العكس أعظم امتيازٍ.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الآبُ، أنت تُحبُّني، فاغفر لي، أنا الابن الضَّال، وسامحني إن أم أستجب لدعوتك الحنونة. علِّمني الطَّاعة الفوريَّة لكلمتك، وامنحني القوَّة على احتمال جميع الآلام والضَّربات كيلا أتذمَّر. أنت أبونا. أنت تُطلِقُنا للفرح وسط الآلام.
السُّؤَال
ماذا تعني الضِّيقات في حياة المؤمن؟