Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
12:9ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَِبِي الأَرْوَاحِ فَنَحْيَا.10لأَِنَّ أُولَئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ. وَأَمَّا هَذَا فَلأَِجْلِ الْمَنْفَعَةِ لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ.11وَلَكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ.


الآلام كلُّها هي امتحانٌ لعلاقتنا بالله. وكما يحترم التِّلميذ معلِّمه الشَّريف بوقارٍ شاعراً بشخصيَّته الفائقة، هكذا يقف الولد أمام أبيه باحترامٍ وخوفٍ تجاه محبَّته وعنايته. وكلُّ احترامٍ لأيِّ شخصيَّةٍ دنيويَّةٍ هو نابعٌ مِن احترامنا لشخصيَّة الله؛ فإذا اضمحلَّ الإيمان بالله في حضارةٍ ما، يضمحلُّ الاحترام تلقائيّاً لجميع الشَّخصيات البشريَّة. وعِنْدَئِذٍ لا يُعتبَر الآباء آباء، ويُسخَر بالمعلِّمين، أو يتَّخذهم الطُّلاب كزملاء متساوين، أو يرفضونهم كدكتاتوريِّين مزعجين. وهذا كلُّه يؤدِّي إلى انحطاط الأمَّة التي لا تتَّخذ الله هدفاً وحيداً لها، فتسير كدابَّة هائمةٍ على وجهها في الظَّلام.
أمَّا الذي يعرف الله، فيحمل حياته الأبديَّة في ذاته، كما قال المسيح: "وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ." فالله ربٌّ يُهَب مِن روحه لجميع الذين يخافونه. ونحن أرواح الله، لأنَّ روحه القُدُّوْس حلَّ فينا، فأصبحنا واحداً مع ابنه. وبعبارةٍ أخرى إنَّ المَلاَئِكَة هم أرواحٌ أيضاً، ولكنَّهم مخلوقاتٌ. أمَّا نحن فأولاد. ونحن نُسمِّي الله أبانا بشكرٍ وفرحٍ ووقارٍ، لأنَّه القُدُّوْس المُحِبُّ. فمحبَّته وقداسته متعلِّقتان بعضهم ببعض تَعلُّقَ الشَّرط بالمشروط، والسَّبب بالمسبَّب عنه، لأنَّ الخطيَّة تلد الموتَ. أمَّا لبُّ القداسة فهو المحبَّة التي لا تزول.
فمِن صميم جوهره يشاء أبونا أن نتقدَّس كما هو قُدُّوْس، كيلا نموت بل نحيا معه إِلَِى الأَبَدِ. هذه هي مشيئة الله: قداستنا. ويُريد أبونا السَّماوي، فوق ذلك، أن يُشركنا في قداسته الخاصَّة. ولهذه الغاية طهَّرَنا ابنه بدمه لنتقدَّس مرَّةً واحدةً بالكمال. وهكذا حلَّ الرُّوْح القُدُس فينا وأحيانا. ولا يكتفي أبونا بصيرورتنا قدِّيسين مؤمنين وأرواحاً طاهرةً، بل يقصد أيضاً أن نكون قدِّيسين مدرَّبين في حياتنا اليوميَّة على أن نعيش عمليّاً كابنه يسوع في التَّواضع والقناعة والصِّدق والعفَّة. فأبوك السَّماوي لا يكتفي بتبريرك في الإيمان، بل يُريد أن يقطف ثمار هذا البرِّ مِن حياتك.
قلَّما يعلَم الآباء الدُّنْيَوِيون ما يجول في خاطر أبنائهم. فلا يرَون أعماق إرثهم الأخلاقي في خلاياهم، ولا يُميِّزون الأرواح المنسكبة في نفوسهم، فيجهلون دوافع أعمال أولادهم وأحلامهم. فكلُّ إنسانٍ هو شخصيَّةٌ مستقلَّةٌ ومُقفَلةٌ. وكثيراً ما تكون القرارات والتَّوجيهات التي يتَّخذها المربُّون سطحيَّةً أو إنسانيَّةً أو خاطئةً. فقد تكون في مقصدها صالحةً نافعةً، ولكنَّها في حقيقتها ضارَّة مؤذية. ونرى عكس ذلك عند الله. فهو الآب الحقُّ والمُربِّي الحكيم الذي يعرف الإنسان ويُعالجه بالعدل والرَّحمة، فيعطيه الغذاء الروحي، والإرشاد العمليَّ، والأصدقاء البنَّائين. والرَّب يعرف متى يحتاج الأفراد إلى ضرباتٍ، ومتى يحتاجون إلى عفوٍ. والمسيح هو أفضل مُرَبٍّ للعالم، لا يُهمل غلطةً أو خطيَّةً. فكلُّ مشكلةٍ تُصادفك هي أفضل فرصةٍ لحياتك مرسلة إليك مِن المربِّي الإلهيِّ.
قد تسأل: "هل هؤلاء الناس الذين أعيش معهم، وهذه الأمراض والأوساخ والاستهزاء والاضْطِهَادات الضَّاغطة هي كلُّها إلهيَّةٌ؟" فنجيبك: كلاَّ. بل إنَّ الله يستخدم ضغط الأشرار لإصلاح الأخيار، لأنَّ الصَّالح يجب أن يزداد صلاحاً. والشَّر يتطوَّر إلى شرٍّ تامٍّ. فهل أنت شرِّيرٌ أم صالحٌ؟ فإن أصلحك المسيح وأنت شرِّيرٌ، فاعلم أنَّ الله قد ولدك ثانيةً ليُقدِّسك ويُكمِّلك في مدرسة الآلام. أجل، إنَّها طريقةٌ مؤلمةٌ. فالطِّفل يبكي ويصرخ إن أدَّبه والده. ولكنْ حتَّى الصَّغير يَعلَم في قلبه أنَّه يستحقُّ الضَّربات، لأنَّ والده عادلٌ في محبَّته.
فآلام المسيحي لا تُنشئ بغضةً فيه نحو الآخَرين، ولا عصياناً لله، بل اطمئناناً في القلب، وفرحاً متيناً في المحبَّة. ولكنْ لسنا نحن المُنشئين ثمار برٍّ مِن هذا النَّوع في أنفسنا، بل الرُّوْح القُدُس السَّاكن فينا. فبصلواتٍ وانحناءاتٍ وأنَّاتٍ وإيمانٍ يدفعنا روح القداسة للتَّسامح واحتمال الآخرين والوداعة والطَّاعة لله. لا تنسَ أنَّ سبب ضيقاتك وآلامك هو محبَّة الله، وهدفها قداستك، كي تكمل في المحبَّة والحقِّ، كما عاش الرُّسُل في دنيانا. فهل تعتبر نفسك مهذَّباً مِن الله إلى آخر درجةٍ في الكمال، أم توافق على أنَّك ما زلتَ محتاجاً إلى ساعاتٍ وسنين في تدريبه الإلهي؟

الصَّلَاة
إنَّني أخجل يا ألله، لأنَّ صورة محبَّتك لا تظهر كاملةً في نفسي، وقداستك الموهوبة لي أضحَت ملوَّثةً. فطهِّرني، نقِّني، أدِّبْني كيلا أكون سبب عثرةٍ للآخَرين، بل شهادة واضحة لاسمك القُدُّوْس.
السُّؤَال
ما هو هدف تربية الله لنا؟