Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
2:14فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ أَيْ إِبْلِيسَ15وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ.16لأَِنَّهُ حَقًّا لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَة بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ17مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِِي كُلِّ شَيْءٍ لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ.18لأَِنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ


مَن يسمع كلمة الله ويؤمِن به يَصِر ابنه. ولكنْ ما دُمْنا نعيش على الأرض، وليس في السَّماء، علَينا أن نتصارع مع لحمنا ودمنا.
لقد جاء المسيح إلى شركة تألُّمنا ليَغلب جسدنا بشخصه، ويُطفئ التَّجارب التي في دمنا بروحه القُدُّوْس. فاشترك ابنُ الله في ضعفاتنا. أكل وشرب ونام وتعب، وُلد ومات، فرح وبكى وصلَّى وتألَّم، فكان إنساناً حقّاً. أخلى مجده كلَّه لأجلنا. تجسَّد طفلاً في مذودٍ حقيرٍ، وترعرع في مدينةٍ فاسدةٍ، واشتغل شابّاً بيدَيه.
لم تكُن غاية تجسُّد يسوع الرَّفاهية وتطوُّر المدنيَّة، بل الصَّلِيْب. فهو وُلِد ليموت، لأنَّه بموته جرَّد الشَّيطان وغلبه، فلم يجد الشِّرير سلطةً على المصلوب والمدفون لأنَّه ثبت قُدُّوْساً وبارّاً؛ وبسلوكه الطَّاهر حتَّى الموت انتصر على إبليس، هذا العدوّ الذي استخدم قواه كلَّها لإسقاط ابن الله في الخطيَّة؛ فجرَّبه بكلِّ تجربةٍ ممكنةٍ. ولكنَّه فشل أمام محبَّة المسيح وتواضعه ووداعته، لأنَّه أحبَّ الله وجميع النَّاس بدون انقطاعٍ. وقد صالح العالم مع أبيه، وحرَّر المؤمنين نهائيّاً مِن ادِّعاء الشَّيطان تسلُّطه عليهم. إنَّك لا تخصُّ إبليس، بل الله، لأجل دم المسيح المسفوك لأجلك. لقد اشتراك المسيح وحرَّرك مِن عبوديَّتك في سلطان الشَّر، فصِرْتَ حُرّاً حقّاً لله.
ولكن مَن لا يؤمِن بخلاص المسيح، يأتي الشَّيطان إليه ويُخوِّفه بالموت، ويركمه أخيراً مع جميع الفاسدين في دياره النَّاريَّة. ليتنا نستطيع أن نقرأ قلوب النَّاس، فنرى متعجِّبين كم يخافون مِن الموت. النَّاس كلُّهم يرتجفون خوفاً مِن الأخبار السَّيئة، والأمراض السَّارية، وحوادث السَّيارات؛ فتراهُم في الجنائز يلطمون وجوههم نائحين مولولين، وبعض النِّساء يجذبن شعورهنَّ نادباتٍ، والجميع يفزعون ويهلعون ويخشعون أمام هول الموت وشبح الهلاك. ولكنَّ المسيح انتصر على سلطان الموت، وأباد قوَّة الشَّيطان، وحرَّرنا مِن عبودية الخطيَّة. لقد قام يسوع مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ ظافراً وواهباً لنا الحياة الأبديَّة. فموته غلب موتنا، كما حياته أحيَتنا. فإن مُتنا نحيا، والشَّيطان لا يجد أيَّ سلطةٍ علينا ولا شكوى، لأنَّنا أصبحنا قدِّيسين بدم المسيح. نحن خطاةٌ مساكين في أنفسنا، وبذرة الموت ناميةٌ في عظامنا؛ ولكنَّ المسيح يقف بجانبنا، ويتمركز في قلوبنا، ويجعلنا أولاداً لله؛ فلا يقدر أحدٌ أن يخطفنا مِن يده.
لم يُخلِّص المسيح بموته الأرواح الشِّريرة أو يَفدِ الشَّياطين، بل خلَّص وفدى آل إبراهيم، أي المؤمنين بكلمة الله. فإبراهيم هو أبو الإيمان، وثقته بوعد القُدُّوْس، رغم ضعف جسده، حُسبَت له بِرّاً. فمن يُؤمِن بانتصار المسيح وبوجود حياته الأبديَّة في أجسادنا الميتة يختبِرْ أنَّ الله نفسَه يُمسكه بيده، ولا يتركه في وادي ظِلِّ الموت، بل يُرافقه إلى ديار نوره العجيب. فإيمانك قد خلَّصَك.
وإنَّنا لنجد في حياة المسيح الكلمة "يَنْبَغِي" التي لا يُدركها كثيرون، ولا يُريدون إدراكها، لأنَّهم يرون في المسيح عظَمةً وليس إنساناً. فاليهود ظنّوا المسيح الموعود زعيماً وبطلاً سياسيّاً ظافراً، وليس حَمَل اللهِ الوديع. ولكنَّ الحمل استطاع وحده أن يغلب العالم. فكان "يَنْبَغِي" للمسيح أن يُصبح إنساناً وديعاً، لكي تُصبح ذبيحته نيابيَّةً صحيحةً. فبدون ذبيحة إنسانٍ بريءٍ لا يُمكن أن يكتمل التَّكفير عن العالم.
وكينونة يسوع إنساناً هي له مدرسة الرَّحمة. لا شكَّ أنَّه كان رحيماً دائماً في سلطانٍ وعظَمةٍ؛ ولكنَّه اختبر كإنسانٍ الضَّعف والآلام، وأصبح رحيماً بطريقةٍ جديدةٍ، لأنَّه شعر بضيقات الناس مِن جرَّاء خبرته الجسديَّة، فلم يحكم على الخطاة بشدَّةٍ، بل خفَّف اللَّوم عنهم لأجل ضعفاتهم. لم يقُل إنَّهم غير مذنبين، بل احتمل هجمات الخطايا والتَّجارب حتَّى إنَّه قال: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ، أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ".
وثبت يسوع، الرَّئيس الكَهَنُوْتيُّ الأمينُ الذي لم يهرب عندما أدرك أنَّ موته هو السَّبيل الوحيد لمصالحة العالم مع الله، بل ضحَّى بذاته مُطيعاً أمر أبيه ليُقدِّس الجميع. فلم يمُت المسيح لأجل نفسه، ولم يجِد امتيازاً لنفسه في موته، لكنَّه قدَّم نفسه لله ذبيحةً لأجل النَّاس. وما مِن حُبٍّ أعظمُ مِن حُبِّ مَن يبذلُ نفسَه في سبيل أحبَّائه.
وها نحن نُبشِّركم بفرحٍ عظيمٍ أنَّ المسيح قد كفَّر على الصَّلِيْب عن خطايا جميع الناس. لقد تمَّ الخلاص، وانكسر الشَّيطان. فالله معنا، وهو ليس غاضباً علينا، بل قد أعلن ذاته أباً حنوناً. فبانتصار المسيح ابتدأ السَّلام.
ونحن بعين الإيمان نرى هزيمة الشَّيطان مسبقاً، ونؤمن بأنَّه مربوطٌ وموضوعٌ تحت قدمَي المسيح، وأنَّ الله سيطرحه في بحيرة النَّار. إنَّما للشِّرير وقتٌ وجيزٌ قبل مجيء المسيح ليُغربل العالم كالحنطة. وفي هذه التَّجربة يُساعدنا المسيح الحيُّ. فهو قد مرَّ بجميع تجاربنا، وحاول الشِّرير أن يخدعه بحيلٍ وآلامٍ، بمكرٍ وموتٍ. ولكنَّ ابن الله ثبت في إيمانه بعناية أبيه، ودامَت محبَّته لقاتليه، وتمسَّك برجاء الحياة الأبديَّة، ولم ينزل عن الصَّلِيْب، بل أكمل ذبيحته حتَّى النِّهاية.
يُساعدنا المسيح عمليّاً في تجاربنا. كلمته تُرشدنا، ودمه يحمينا. في صلاتنا ننال قوَّةً، وفي شركة الإخوة نلتقيه شخصيّاً. فالمسيح يجذب قلوبنا ويعمل فيها ليلاً نهاراً كيلا نسقط في تجربةٍ، لأنَّ غاية إبليس هي سَحْبُنا مِن الشَّركة مع الله. فهو لا يستهدف إيقاعنا في خطايا كبيرة أو صغيرة فحسب، بل إنَّ غايته العُظمى هي أن يفصلنا نهائيّاً عن الله. فلا تَقبَل أيَّ خطيَّةٍ في حياتك مهما صغر شأنها، بل ابقَ صغيراً متواضعاً بسيطاً، وادرس حياة يسوع، وصلِّ إلى الذي انتصر على الجسد البشريِّ ليُقدِّسك إِلَى التَّمَامِ، وهو الذي علَّمك أن تُصلِّي قائلاً: "لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ. لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ"، علماً أنَّ الإنسان لا يستطيع وحده أن يغلب الرُّوح الشِّرير؛ فهذا الرُّوح لا يقدر أن يغلبه إلاَّ المسيح وحده، ولذلك نحن محتاجون إلى قوَّته وعونه يوميّاً.

الصَّلَاة
يا غالب الموت والشَّيطان نُعظِّمك، لأنَّك لم تقبل التَّجربة في حياتك، بل دحَرْتَ الشِّرير، وصالحتنا مع القُدُّوْس. نَسْجُدُ لَكَ أيُّها الحمل الإلهيُّ لأنَّك بذلتَ حياتك لنتحرَّر مِن الموت، ونَشْكُرُكَ لحياتك الموهوبة لنا، ونفرح لأجل تحريرنا مِن خوف الموت.
السُّؤَال
كيف دحر المسيح الشَّيطان وحرَّرنا مِن خوف الموت؟