Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
3- اتِّضاع يسوع لدرجة ابن الإنسان لأجل خدمته الكَهَنُوْتيَّة
(2: 8- 18)
2:8عَلَى أَنَّنَا الآنَ لَسْنَا نَرَى الْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعًا لَهُ.9وَلَكِنَّ الَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَسُوعَ نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَِجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ.10لأَِنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ.11لأَِنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ فَلِهَذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً12قَائِلاً أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ.13وَأَيْضًا أَنَا أَكُونُ مُتَوَكِّلاً عَلَيْهِ. وَأَيْضًا هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ اللهُ.


يَرى إيماننا المسيح مِن بعيدٍ مالكاً الكونَ في الآخرة، غير مرتبطٍ بزمانٍ البتَّة. وتُلاحظ أعينُنا البشريَّةُ حقيقة الحاضِر، حيث الدُّول والأحزاب والأرواح غير خاضعةٍ للمسيح بعد. أمَّا الرَّجاء فيرى مسبقاً نهاية المعركة حول سلطان العالم، وكيف يتربَّع ابن الله على عرش المجد منتصراً.
لا يتمتَّع كثيرون بهذه البصيرة، لأنَّهم يعثرون بالنَّاصريِّ مصلوباً عرياناً مرفوضاً ملعوناً شارباً كأس الغضب المفعمة بالآلام. فيسألون كيف مات الأزليُّ، وهل أصبح القُدُّوْس خاطئاً؟
لكنَّ المسيحيَّ يُدرك وسطَ الآلام مجداً، لأنَّ يسوع لم يمُتْ خاطئاً، فقد كان رئيس الكهنة الحقيقيَّ المختارَ مِن الله والقادر أن يُكفِّر عن خطايانا. فخدمة مصالحته تعني أسمى مجدٍ وسلطانٍ؛ علماً أنَّ يسوع وحَّد جميع الأنظمة الكَهَنُوْتيَّة ومقاصدها في شخصه، وأكملها حين ضحَّى بنفسه فديةً للعالم. واللهُ كلَّل ابنَه في الموت رئيساً للكهنة، وقَبِل ذبيحته الفريدة، وغفر للبشر خطاياهم كلَّها. فالله لا يُسامح المؤمنين وحدهم، بل جميع النَّاس أيضاً لأجل موت يسوع.
قد تتساءل: ألَم يجد الإله القدير طريقةً أخرى لمغفرة الخطايا غير موت ابنه؟ ألا يقدر أن يغفر كيفما ومتى يشاء؟ طبعاً الله حرٌّ وغير محدود الإرادة. ولكنَّه قد ارتبط ببرِّه الخاصِّ وعدله القُدُّوْس، وخطَّط طريق الخلاص بمحبَّته الفائقة. وقد اقتضت قداسته موت كلِّ خاطئٍ. فلا حقَّ للملحدين والمهملين بالبقاء. النَّاس جميعهم يستحقُّون الموت حالاً. فأوجد الله برحمته طريقة الذَّبيحة، كي يُسفَك دمٌ آخَر عوضاً عن دمنا، وتموت نفسٌ حيَّةٌ نيابةً عن أنفسنا. فذبيحة المسيح الطَّوعيَّة عنَّا هي الإمكانيَّة الوحيدة حيث ينسجم حقُّ الله ومحبَّته. فأتمَّ الابن بموته مقتضيات البرِّ كلَّها، وأصبح في ذاته كاملاً.
ولعلَّك تسأل: ألم يكن المسيح دائماً كاملاً؟ طبعاً، لأنَّه كان إلهاً حقّاً، وحلَّ فيه ملء مجد أبيه. ولكنَّ محبَّته ظهرَت بأوضح بيانٍ في تجسُّده وموته على الصَّلِيْب. فبدون آلامه ما كانت النِّعمة ستتحقَّق لأجلنا. أمَّا الآن فتنسجم في ذبيحته قداسة الله ورحمته، حتى يُمكننا القول إنَّ في الصَّلِيْب اكتمل لبُّ مجد الله.
وقد يسأل البعض: لماذا هذا التَّعب والمشاكل كلُّها في سبيل الخلاص؟ وهذا السُُّؤَال لا يطرحه إلاَّ مَن لا يعرف قلب الله الأبوي. فالله الآب يرى في النَّاس كلِّهم أبناء ضالِّين، ويُريد أن يُرجعهم إلى مجده. فالخالق لا يكتفي بالنُّجوم والحجارة والنَّبات والحيوان، بل يُريد لنفسه أولاداً، روحهم مِن روحه، وجوهرهم مِن جوهره. ولا يقدر أحدٌ أن يمنع الله مِن تنفيذ مشيئته هذه.
لقد أرسل الله ابنه إلى الأرض كي يغلب العصاة بوداعته، ويُقدِّس القتَلَة بذبيحته. وللعجب لم يتورَّع المسيح عن تسمية الفاسدين "إخوته"؛ فعاش بينهم، وقدَّس ضعفهم، وحرَّرهم مِن سلطة الشَّيطان، وطهَّرهم بدمه. فيسوع هو المُقَدِّس الذي يُقدِّسنا إِلَى التَّمَامِ، إذا فتَحنا صدورنا لعلاجه. فالمسيح ليس قُدُّوْساً في ذاته فقط، بل يُشركنا أيضاً في قداسته هذه.
وفي سبيل هذا التَّقديس أعلن يسوع لنا اسم الله الأبويَّ. وبِوَاسِطَةِ هذا الاسم "الآب" صِرنا نحن المخلَّصين إخوةً في عائلة الله. ولم يكُن سهلاً على يسوع أن يُسمِّي التَّلاميذ إخوتَه، لأنَّه رأى فيهم استكباراً وأنانيةً. ولكنَّ يسوع آمن باسم أبيه، وعرف قدرة دمه هو، واتَّكل على سلطان الرُّوْح القُدُس حتَّى تتحقَّق خطط الله، ويتحوَّل الإخوة الشَّرسون إلى إخوةٍ حقيقيِّين في روح الإِنْجِيْل. فيشهد يسوع اليوم أمام أبيه قائلاً: "ها أنا والأولاد الذين أعطيتني إيَّاهم". فيا أخي القارئ، هل أنت واحدٌ مِن هؤلاء؟

الصَّلَاة
أيُّها الإله القُدُّوْس، أنت أبونا لأجل المسيح ابنك الذي قرَّبنا إليك بموته. نَشْكُرُكَ ونُسبِّحك لأنَّك جعلتَنا أولاداً لك، ولأنَّك تُثبِّتنا في بنوَّتنا بروحك القُدُّوْس. فنلتمس منك أن تقود كثيرين إلى عائلتك السَّماويَّة، وأن تُسَاعِدَنَا عَلَى أن نتصرَّف في اجتماعاتنا بتواضعٍ وتعاونٍ وخضوعٍ.
السُّؤَال
كيف كلَّل الله ابنَه بالمجد وسط الآلام؟