Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
6- لا تُقسُّوا قلوبكم لكيلا تخطئوا راحة الله
(3: 7- 4: 2)
3:7لِذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوْح القُدُس الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ8فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فِي الإِسْخَاطِ يَوْمَ التَّجْرِبَةِ فِي الْقَفْرِ9حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي وَأَبْصَرُوا أَعْمَالِي أَرْبَعِينَ سَنَةً.10لِذَلِكَ مَقَتُّ ذَلِكَ الْجِيلَ وَقُلْتُ إِنَّهُمْ دَائِمًا يَضِلُّونَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي.11حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي.


الرُّوْح القُدُس هو القوَّة العظمى في تاريخ العالم، والمُعلن مشيئة الله بأفكارٍ منطقيَّةٍ بشريَّةٍ. وقد تكلَّم بالأنبياء، واتَّضح لنا في ضمائرنا، ويُكلِّمنا اليوم بالإِنْجِيْل. وبهذه الطَّريقة يستمرُّ الإلهام الإلهيُّ، لأنَّ الله يُكلِّم الإنسان مباشرةً بكلمته المقدَّسة. هذا هو امتياز العهد الجديد أنَّنا لا نسمع البشيرين والرُّسُل فقط، بل صوت الله أيضاً في كلامهم، كما قال المسيح: "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ".
هل تسمع الله يتكلَّم؟ هل لمس صوته الحنون قلبَك القاسي؟ إنَّ الآب السَّماوي يُكلِّمك اليوم في ابنه، وحياة المسيح هي وحي الله لك؛ فمحبَّته العمليَّة، وصبره، وحقُّه، وطهارته، وآلامه هي إلهاماتٌ إلهيَّةٌ في السَّامعين. والرُّوْح القُدُس يشهد لأرواحنا أنَّنا أولاد الله. وأبوك السَّماوي يُؤنِّبك حين تعصي جذب روحه، ويُعزِّيك إذا كنتَ يائساَ ومنعزلاً. اعترف لربِّك بجميع خطاياك، طالباً غفرانه وتطهير ضميرك؛ وأطِع جميع إرشادات الروح الإلهيِّ كيلا يَقطع شيءٌ نجسٌ العلاقةَ والصِّلةَ بينك وبين أبيك السَّماوي، وهو القائل لك: "ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي" (مزمور 50: 15).
إنَّ مَن يسمع صوت الله قد ابتدأ بسلسلة نعم، لأنَّه بقَدْر ما يُواصل سماع كلمة الآب في ابنه، تخلق هذه الكلمة فيه فضائله. ولكن ويلٌ للَّذي لا يُطيع صوت الرُّوْح القُدُس، ويثور على مشيئة الله، لأنَّه يتألَّم بضرباتٍ كثيرةٍ. أمَّا مَن اختبر عناية الرَّب منذ مدَّة طويلةٍ، ولكنَّه لم يثق به في يوم الضِّيق، فهذا يُخطئُ خطيَّةً جسيمةً.
لقد اختبر بنو إبراهيم عون الله في البرِّية عبر السِّنين. وفجأةً وصل موكب الألوف في البرِّية إلى منطقةٍ لا ماء فيها؛ فعطش الجميع، وجأرت البهائم، وبكى الأولاد، وخارت العزائم؛ فاستيقظَت النّقمة في القلوب، وطفح الغضب على هُدى الله؛ فلم يؤمنوا بحضوره، بل ظنُّوا أنَّه غير مستعدٍّ لإنقاذهم. فبسبب عدم إيمانهم لم يروا محبَّة الله. واختفَت عنهم قدرته وسلطانه، ونسَوا عجائب الماضي كلَّها. وهكذا جعلوا يتذمَّرون ويشتمون، فأبغض بعضهم الله وجدَّف عليه (تكوين 17: 7).
واختبر الشَّعب عناية محبَّة الله وحضوره معهم سنين طويلة. فصارت بركاته لهم اعتياديَّةً، وأضحَت قوَّته المؤازرة بالنِّسبة إلى ظنونهم واجباً عليه. ولئن رأوا مجد الله مِن بعيدٍ، فإنَّهم لم يُدركوه حقّاً، لأنَّهم لم يفتحوا قلوبهم المتحجِّرة كلِّياً لروحه اللَّطيف القدير.
أيُّها الأخ القدِّيس، ألَيسَ هذا هو بالتَّمام حالنا؟ لعلَّك اختبرتَ في الماضي الله الآب والمسيح ابنه وقوَّة الرُّوْح القُدُس عاملةً في قلبك، فلم تنسَ عِنْدَئِذٍ الصَّلاَة اليوميَّة: "لا تُدخلنا في تجربةٍ" كيلا تشخص في ساعة الضِّيق إلى أمواج التَّجارب الهاجمة عليك، بل تنظر إلى يسوع وحده مؤمناً بحضوره. ولعلَّك لا تراه، فنؤكِّد لك أنَّه مستعدُّ لمساعدتك حالاً. صلِّ وآمِن ولا تشُكّ. وقبل كلِّ شيءٍ، لا تُصلِّ وكأنَّك تُجري اختباراً أو تجربةً لترى هل سيُساعدك الله، لأنَّ صلاةً كهذه معناها تجريب الله، بل آمِن بمَن تُصلِّي إليه، واتَّكل على إرشاده؛ فالله لا يُساعدك لأنَّك صالحٌ، بل لأنَّ المسيح قد مات لأجلك. فالله يُحبُّك لأجل ابنه.
لقد غضب الله آنَذَاكَ حين جحده الشَّعب في القفر، ولم يرتفع فيهم صوت تائبٍ نادمٍ متضرِّعاً إلى الله وقائلاً: "لئن لم يُساعدنا الله فنحن المذنبون. فلنرجع إلى القُدُّوْس ونتُب، ولنطلب إليه أن يُعيد رحمته إلينا". لم يرجع أحدٌ منهم للأسف إلاَّ موسى وحده الذي تاب وحصل على الماء مِن الصَّخر لإنقاذ شعبه المُعاند.
امتحن الله في تلك السَّاعة قلوب الشَّعب، فوجدهم ضالِّين، لا يعرفون طُرق الله ولا مشيئته. جميعنا عميٌ إنْ لم يُنوِّرنا روح الرَّب. وإنْ نوَّرَنا ولم نُطِع صوته على الدَّوام، نقع مرَّةً أُخرى في العَمَه والعَمَايَة، وهذان الأخيران أشدُّ ظُلمةً مِن عمانا الأوَّل، لأنَّ الله قد أقسم فِي غَضَبِهِ أن لا يَدخل المرتدُّون راحته. فلاحِظ أنَّ دينونة الله تبدأ في المؤمنين الفاترين المبتعدين تدريجيّاً عن ربِّهم.
ومعنى قَسَم الله أنَّه يكفل بشخصه تنفيذ قراره. وللقُدُّوْس الحقُّ في أن يُقْسم، لأنَّه يَعرف الحقَّ ويسبر أغوار الأمور ويعلم بالسَّرائر، وله القدرة على تنفيذ مشيئته. أمَّا نحن فلا يحقُّ لنا أن نقسم، لأنَّنا لا نعرف ما في قلوب الناس، ولا نُدرك الدَّوافع التي في أنفسنا مِن أساسها، ولا قدرة لنا على تنفيذ مقاصدنا مائةً بالمائة؛ فنعترف بضعفنا، ونقول الحقَّ بقَدْر إدراكنا الحقَّ.
وراحة الله هي الصِّفة المُلازمة لصميم مجده، لأنَّه لا يوجد في الثَّالُوْث الأَقْدَس اضطرابٌ أو خصامٌ أو ثورةٌ أو تعبٌ، بل سلامٌ ومحبَّةٌ وتواضعٌ وفرحٌ واطمئنانٌ وسُلطانٌ.
لقد عرف أفراد العهد القديم أسراراً مِن هذه الرَّاحة الإلهيَّة، وحاولوا فرضها يوم السَّبت فرضاً. أمَّا نحن فنشترك في هذه الصِّفة السَّماويَّة، لأنَّ يسوع أراح ضمائرنا، والرُّوْح القُدُس يُعزِّينا ويُلاطفنا لنتأكَّد بأنَّنا سندخل راحة الله المجيدة. ولكن انتبه أيُّها العزيز، فهذه الرَّاحة كانت موعودةً لشعب البرِّية، وجميعهم دُعوا لدخول مجد الله، ولكنَّ الباب قد أُوصِد في وجههم إِلَِى الأَبَدِ بسبب عدم إيمانهم في وقت الضِّيق، وتذمُّرهم على الله.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، نَشْكُرُكَ لأنَّك كلمة الله المتجسِّد، وتُكلِّمنا ليلاً نهاراً. سَاعِدْنَا عَلَى سماع صوتك، وإطاعة جذب روحك بفرح، فلا نتذمَّر في الضِّيق، بل نؤمِن بحضورك معنا، ونثق بمشيئتك الصَّالحة، ولا نسقط في التَّجربة.
السُّؤَال
كيف جرَّب العِبْرَانِيُّوْنَ الله في البرِّية، ولماذا؟