Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
10- التَّحذير الشَّديد مِن الارتداد والتَّشجيع على التَّمسُّك بالرَّجاء
(5: 11- 6: 20)
5:11اَلَّذِي مِنْ جِهَتِهِ الْكَلاَمُ كَثِيرٌ عِنْدَنَا وَعَسِرُ التَّفْسِيرِ لِنَنْطِقَ بِهِ إِذْ قَدْ صِرْتُمْ مُتَبَاطِئِي الْمَسَامِعِ12لأَِنَّكُمْ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ لاََ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ.13لأَِنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَِنَّهُ طِفْلٌ.14وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ


لو جاءك اليوم كَاتِب الرِّسَالَةِ إلى العِبْرَانِيِّيْنَ وامتحنك فيما فهمته مِن العبارات المتضمِّنة معنى جلال المسيح وأسرار خدمته الكَهَنُوْتيَّة، وماذا حقَّقْتَ مِن هذه المعرفة في سلوك حياتك، فهل تنجح في هذا الامتحان، أم ترسب؟ المرجَّح أنَّ قُرَّاءه آنَذَاكَ قد ظنُّوا أنَّهم فهموا وعرفوا كلَّ شيءٍ، ولكنَّهم في الحقيقة سقطوا بالنِّسبة إلى المعرفة وحالة القلوب. عِنْدَئِذٍ توقَّف المعلِّم عن تعليمه، وناح كأنَّما يقول: "في قلبي أشياء كثيرةٌ لأقولها لكم. فأنا، شأني شأن جميع الرُّسُل والمعلِّمين الموهوبين مِن الرُّوْح القُدُس الذين يفيضون بمعرفة محبَّة المسيح وقدرة جلاله، أريد أن أُرشدكم إلى الحقِّ كلِّه، كي يحلَّ ملء ابن الله فيكم عمليّاً".
"ولكنَّني لاحظتُ أنَّكم لا تفهمونني تماماً. فالمواضيع أعلى مِن مستواكم. تسمعون ولكنْ لا تفهمون. والمواضيع في الواقع ليست صعبةً، ولكنَّ قلوبكم غير مستعدَّةٍ لقبول الحق، وإرادتكم وعقولكم لا تعمل بانسجامٍ مع الرُّوْح القُدُس. لقد تأخَّرتم في إطاعة المعرفة. إنَّكم لم ترتكبوا خطايا جسيمةً، ولكنَّ علاقتكم بالله قد فترَت، وانتباهكم ليس حصيفاً كما في البداية. هل ما زلتم تحبُّون المسيح مِن كلِّ قلوبكم وكلِّ أفكاركم وكلِّ أنفسكم؟"
"يَنْبَغِي لكم مبدئيّاً أن تكونوا معلِّمين للكُفَّار والجهلاء في محيطكم، والضُّعفاء في كنائسكم؛ لأنَّكم سمعتم كثيراً وقبلتم سابقاً كلمة الله بغنىً في أنفسكم. وقد دعاكم المسيح للخدمة قولاً وعملاً، وجعلكم حُرَّاساً لكنيسته وخُدَّاماً للضُّعفاء فيها. فهل تقودون الآخرين إلى يسوع؟ هل تشركونهم بقليلٍ مِن مواهب الرُّوْح القُدُس العامل فيكم؟ هل يَحلُّ الرَّب الحيُّ عُقَدَ الخطايا في التَّائبين بِوَاسِطَةِ شهادتكم؟ هل ينتبه الجهلاء ويسألون عن أبيكم السَّماوي لأجل سلوككم الطَّاهر ومحبَّتكم للمسيح؟ أم ما زلتم أطفالاً في الإيمان، تحتاجون إلى ناضجٍ ليقودكم مِن يدكم؟ أم تشبهون الشُّبان المتحمِّسين المتَّكلين على ذواتهم، الرَّاغبين في الاعتماد على قدراتهم الشَّخصية وحدها، فيضرُّون أكثر مِمَّا ينفعون، ويؤخِّرون بمقاصدهم الصَّالحة عمل المسيح؟"
المعلِّمون في الكنيسة هم أناسٌ لهم آذانٌ مفتوحةٌ لصوت المسيح دائماً. فهم لا يأتون بأفكارٍ مِن عندهم، بل يُنكرون أنفسهم ويُمجِّدون يسوع وحده؛ وفِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ يستمعون إلى ضيقات الآخرين وطلباتهم، ويُميِّزون بين الحقائق والأكاذيب، وينطقون بعد الصَّلاَة والتَّأَمُّلِ بكلام الحقِّ مؤنِّبين أو معزِّين، دائنين أو مبارِكين. فما هو حالك يا أخي؟ هل مازلتَ طفلاً دارجاً، أو شابّاً طائشاً، أم صرتَ معلِّماً حكيماً في إرشاد الرُّوْح القُدُس؟
لقد رسب قُرَّاء الرِّسَالَة إلى العِبْرَانِيِّيْنَ في امتحان إيمانهم، وبدا واضحاً أنَّهم يحتاجون مرَّةً أخرى إلى الدُّروس الابتدائيَّة في العقيدة والتَّعليم الرُّوحي، في الرُّجوع إلى الله ونيل القوَّة والثَّبات في الرَّجاء. لقد نسوا المعرفة بأسس إيمانهم المسيحي، فكان على الكَاتِب الرَّسولي أن يقول لهم بصراحةٍ: " لقد بتُّم محتاجين إلى العودة إلى دراسة الأبجديَّة مِن جديدٍ في مدرسة الرُّوْح القُدُس. فتواضعوا وابدأوا كلَّ شيءٍ مِن جديدٍ لأنَّكم قد فقدتم للأسف الكنز الرُّوحي الذي منحكم إيَّاه الرَّب سابقاً، وقلبكم لم يلتهم كلمة الله بنهمٍ، وذهنكم لم يتجدَّد تماماً بالرُّوْح القُدُس."
وربَّما خطر لبعض المستمعين في الكنيسة أن يقول: "ولكنَّنا يا معلِّم نفهم كلَّ شيءٍ، وقد حفظنا البِرَّ غيباً، وآمَنَّا بالصَّلِيْب، ومارسْنا محبَّة الله تماماً. فلماذا تُهاجمنا بكلامك هذا؟"
فيُجيبهم المعلِّم: "أجَل يا أعزَّائي، لقد التقطتم بعض الأفكار الجميلة البرَّاقة، أمَّا نظام التَّعليم عن شخصيَّة المسيح وعظمة عمله الشَّامل فلم تستوعبوه. إنَّ أفكاركم وعوائدكم ليست مصبوغةً بنقش الإيمان الثَّابت، بل قد تقسَّمت منكم القلوب معارِضةً جذب الرُّوْح القُدُس، ولم يحلّ المسيح بملئه في جميعكم، ولم تُشبهوا ينابيع محبَّته الغزيرة، ولم تخلق معرفتكم فيكم الدَّافع للتَّبشير بين غير المسيحيين مِن حولكم؛ فما زلتم أنانيِّين بروحيَّتكم، وما كنتم خدَّاماً للمساكين، فلم تتجسَّد كلمة الرَّب فيكم حقّاً. أمَّا الشُّكوك وعدم الإيمان فتعضُّكم عضّاً.
أخي العزيز، كيف حالتك الرُّوحية؟ هل أنت مدركٌ أنَّ المسيح يدعوك إلى النُّضج لتصبح قدوةً لكثيرين ومنارةً في الظُّلمة؟ يُمكنك أن تُدرك المسيحيِّين النَّاضجين مِن خلال تواضعهم، واستماعهم إلى كلمة ربِّهم، وشُكرهم لإحساناته، ومحبَّتهم في المسيح، وخدمتهم لجميع الناس، فرحين في الضِّيق ومواظبين على الصَّلاَة، نشيطين فِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ وماهرين في خدمة الله، ونافعين بدون كبرياء؛ كما تجدهم إلى جانب هذه الفضائل كلِّها يملكون موهبة تمييز الأرواح والتَّعاليم، ويُطابق تعليمُهم سُلوكَهم؛ وقد منحهم الرُّوْح القُدُس المعرفة التي منعها في البدء عن آدم وحوَّاء اللَّذَين أرادا أن يكونا كالله، فأكلا رغم المنع مِن ثمرة معرفة الخير والشَّر، وأصبحا شرِّيرَين بسبب عصيانهما وكبريائهما. فكلُّ مَن يدرس الشَّر ويُجرِّبه يصبح شرِّيراً، أمَّا الذي يلتصق بالمسيح وحده فيصبح صالحاً، ويجعله الرُّوْح القُدُس ابناً للآب السَّماوي الذي يمنحه موهبة تمييز الأرواح فيُميِّز بين ما هو دنيويٌّ وما هو إلهيٌّ.
وهذا النُّضج في المؤمنين لا ينمو دفعةً واحدةً، ولذلك كان عليهم أن ينكسروا في التَّوبة مرَّاتٍ عديدةً، وأن يصبحوا صغاراً أمام ربِّهم العظيم. وهو درَّبهم على اتِّباعه بالمحبَّة، وكذلك على الإيمان، وثبَّتهم في الرَّجاء. ولكنَّ هذا التَّدريب الرُّوحي رهنٌ برغبة التِّلميذ الصَّالحة في المواظبة على التَّعلم والتَّدرُّب.
امتحِن قلبك. هل تشتاق إلى سماع إِنْجِيْل المسيح باستمرارٍ، أم صرتَ مهملاً سطحيّاً مكتفياً بذاتك؟ إنَّ معرفة الله ليست صعبةً، ولكنَّ قلبك بطيءٌ وذهنك غليظٌ.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ، افتح أذني واطعن قلبي كي أستيقظ مِن سُبات اكتفائي الذَّاتي. اغفر لي محبَّتي النَّاقصة لك. أنعِش انتباهي. دَرِّب قلبي على كلمتك. علِّمني أن أحفظ آياتك غيباً. أرشِدني إلى عمل معرفتك كي تنسجم حياتي مع إيماني، وأُعلِّم العِطاش بُشرى خلاصك باجتهادٍ.
السُّؤَال
لماذا توقَّف كَاتِب الرِّسَالَةِ إلى العِبْرَانِيِّيْنَ عن تعليمهم؟