Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
5- المسيح هو وسيط العهد الجديد وضامنه
(8: 1- 13)
اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ 1وَأَمَّا رَأْسُ الكَلاَمِ فَهُوَ أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هَذَا قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ2خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ.


مَا هُوَ أَهَمُّ شيءٍ في العالم؟ إن فتحتَ الجرائد فأوَّل ما يلفت نظرك هو العناوين الضَّخمة للأخبار السِّياسيَّة اليوميَّة بوصفها أهمُّ الأحداث. أمَّا الطُّلاب فشغلهم الشَّاغل هو العلامات والنَّجاح والشَّهادة. وأهمُّ ما يشغل الأمَّ صحَّةُ أفرادا عائلتها، والأب يكدح لكسب معيشة بيته، والمبشِّر يجهد لهداية الناس، والمريض يتمنَّى مِن ربِّه الشِّفاء، والعجوز يشتاق إلى راحة السَّماء.
أمَّا كَاتِب الرِّسَالَةِ إلى العِبْرَانِيِّيْنَ فلا يرى مهمّاً في الدُّنيا والآخرة إلاَّ الشَّخص يسوع المسيح. هو غنانا ورجاؤنا وضامن خلاصنا ومُعطي البرّ لإيماننا. وهذه نعمةٌ إلهيَّةٌ أنَّ يسوع هو وحده الذي ينوب في السَّماء عن البشر أمام القُدُّوْس. فأهل الأديان المختلفة يرتجفون خوفاً مِن التَّفكير في الدَّيْنُوْنَة والموت. أمَّا نحن فنُعلِن مطمئنِّين أنَّ لنا وسيطاً في السَّماء مُقتدراً أزليّاً إلهيّاً.
المسيح هو الكاهن العظيم اللَّطيف الذي أكمل على الأرض ذبيحته، ويُنفِّذ حقوقها اليوم في السَّماء. فبدون ذبيحته نكون هالكين في غضب الله ولا يبقى الكون. لذلك فإنَّ يسوع، رئيس الكهنة في الأعالي، هو أهمُّ مِن المشاكل السِّياسيَّة والشَّهادات الدِّراسية وصحَّة العائلات ودوام العمل وتجديد الأفراد ودخولهم إلى السَّماء، لأنَّ على هذه الخدمة الكَهَنُوْتيَّة يتوقَّف الكون كلُّه والكنيسة أيضاً. فمِن عمل يسوع الشِّفاعي نحيا جميعنا، كما قال: "بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً".
ويسوع ليس كاهناً فقط، بل هو ملكٌ أيضاً وجالسٌ إلى يمين الله على عرش المجد. فبهاء قداسته ولمعان نوره يفوقان قدرة التَّعبير البشري. وقد دفع الله إلى ابنه كُلّ سُلْطَانٍ فِيْ السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، لأنَّه مات حملاً ذبيحاً لأجلنا على الصَّلِيْب. ورفعه كثيراً لأجل تواضعه، وأعطاه اسماً فوق كلِّ اسمٍ. وحكمه اليوم أهمُّ مِن حكم جميع العظماء، لأنَّ الرُّؤساء كلَّهم يزولون، أما يسوع فيبقى إِلَِى الأَبَدِ.
والمسيح ملكٌ كَهَنُوْتيٌّ وكاهنٌ ملكيٌّ. فالحكم على العالم والتَّكفير عنه يتَّحدان في شخصه. ويسوع هو الدَّيان أيضاً الذي يدين قوافل البشر في نهاية الزَّمان، ويُميِّز مباركي أبيه عن مَلاَئِكَة الشَّيطان. وألوهية يسوع تفوق إدراك عقولنا، والأبالسة ترتجف منه منتظرةً يوم الهلاك على يده.
قد تتساءل: "أين الله إنْ كان المسيح هو عامل كلِّ شيءٍٍ؟" فنُجيبك أنَّ الآب والابن واحدٌ. وعظَمة المسيح هي نظير العظمة الأبويَّة. كان اليهود يخشون أن يلفظوا اسم الله كيلا ينطقوا به باطلاً، ولذلك كانوا يستعملون بدلاً منه الكلمة "العظمة". أمَّا نحن فنؤمن بوحدانيَّة الله في ثالوثٍ واحدٍ، لأنَّ لبَّ عظَمة الله هو المحبَّة، والمحبَّة لا يمكن أن تظهر في إطار الفرد، بل في التَّواصل والشَّركة مع الآخرين. فالله المحبَّة معناه شركةٌ ثلاثيَّةٌ في وحدةٍ مقدَّسةٍ.
وربُّنا العظيم يُظهِر نفسه خادماً في السَّماء، وليس دكتاتوراً مسترخياً. وكما لم يجئ المسيح إلى أرضنا ليُخدَم بل ليَخدم ويبذل نفسه فديةً عن كثيرين، هكذا هو كائنٌ اليوم في السَّماء إلهاً وخادماً فِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ. فهل أدركتَ العلاقة بين هاتين الفضيلتَين البارزتَين اللَّتين للمسيح؟ إنَّ ربَّنا ليس متعجرفاً لامبالياً، بل هو خادمٌ مُحِبٌّ مُخلصٌ. وهذا يدلُّنا على ما يُريد أن يجعل منَّا نحن تابعيه.
والمسيح لا يخدم في قصرٍ سماويٍّ برَّاقٍ، ولا في هيكلٍ روحانيٍّ سامٍ، بل في شبه خيمةٍ. إذ نقرأ في الرِّسَالَة إلى العِبْرَانِيِّيْنَ، وفي رسالة بولس إِلَى أَهْلِ كُوْلُوْسِّي 2: 11 أنَّ جميع الأقداس، ومسكن الله الدُّنْيَوِي فِيْ العَهْدِ القَدِيْمِ، والأدوات لخدمته، والكِتَاب المُقَدَّس نفسه، وضعت على مثال ما في السَّماء، صورةً طبقَ الموجودات السَّماويَّة. فنحن نعيش في شبه الحقيقة العابر. أمَّا السَّماء فهي الحقيقة الثَّابتة. ففردوس العمَّال والفلاَّحين ليس قادراً على تحقيق المثُل العُليا في البشر، لأنَّ دنيانا بعناصرها ليست هي الأصليَّة والباقية، بل الله وابنه والمكان الذي حوله. هذا هو مصدر الكون.
كانت المواضع الكَهَنُوْتيَّة في السَّماء جاهزةً للمسيح قبل صعوده إليها لاستعمالها. وهذه الأنظمة السَّماوية تفوق قدرة حسِّ الإنسان فكراً ووقتاً ومكاناً. فمن الضَّروري أن نهتمَّ بالأمور السَّماويَّة أكثر مِن اهتمامنا بما على الأرض، كما قال الرَّسول: "اطْلُبُوا مَا فَوْقُ حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ."

الصَّلَاة
ربِّي وإلهي، أسجد لك وأخضع لأوامرك، ولا أريد إلاَّ أن أخدمك وأَشْكُرُكَ وأعمل كما يُرشدني روحك القُدُّوْس. امنحني التَّمييز دائماً لأعرف أنَّك أهمُّ ما في السَّماء وعلى الأرض، فأنظر إليك على الدَّوام.
السُّؤَال
مَا هُوَ أَهَمُّ ما في السَّماء وعلى الأرض، ولماذا؟