Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
1:9كَانَ النُّورُ الْحَقِيْقِيّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ.10كَانَ فِي الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ.


المَسِيْح هو النُّور الحَقِيْقِيّ في العالم، وقد أنبأ الرُّوْح القُدُس بمجيئه منذ مئات السِّنين بواسطة الأنبياء. وأسفار العهد القديم مملوءة بالأدلَّة على مجيء المَسِيْح إلى كوننا، كما قال إِشَعْيَاء النَّبي: "هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ, وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى".
نجد في قراءتنا الكلمة "العالم" مكرَّرةً أربع مرَّاتٍ. ومعناها عند البشير يُوْحَنَّا قريبٌ مِن معنى الظُّلمة، كما كتب: إنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ.
لم يكن العالم في البدء شريراً، لأنَّ الله خلقه حسناً، وجمال الله وجودته ملآ الكون، "وَرَأَى اللَّهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً" (تكوين 1: 31). وخلق الله الإنسان على صورته، فكان مجده موهوباً للأبوَين الأوَّلَين اللَّذين عكسا نور الخالق كمرآةٍ.
ولكنْ بسبب الكبرياء أصبح الجميع أشراراً وعُصاةً، وتركوا شركة الله في قلوبهم، لأنَّهم انفتحوا لروح الظُّلمة. والابتعاد عن الله يجعل الإنسان دائماً شرِّيراً، كما اعترف داود في المزمور 14 قائلاً: "قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ, لَيْسَ إِلَهٌ. فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً".
أمَّا البشير يُوْحَنَّا فشهد أنَّ المَسِيْح أتى إلى هذا العالم الشِّرير، مثلما تُشرق الشَّمس تدريجيّاً مُبدِّدَةً الظُّلمة أمامها. فنور المَسِيْح لم يدخل دُنيانا في شكل صاعقةٍ مبيدةٍ، بل دخلها بلطفٍ مُنوِّراً جميع النَّاس. لم يأتِ الرَّبّ ديَّاناً قاضياً، بل جاء مُخلِّصاً مُنجِّياً. جميع النَّاس محتاجون إلى الاستنارة بالمَسِيْح، لأنَّهم بدون هذه الاستنارة يظلّون قابعين في الظَّلام. فالمَسِيْحُ هو المنوِّر الحَقِيْقِيّ لا سواه؛ وكلُّ مَن يَقبل تنويره بواسطة الإِنْجِيْل يتغيَّر في صفاته، فيصبح صالحاً وينوِّر سواه.
هل أدركتَ معنى هذا القَول: "أتى الخالق إلى عالمه"؟ دخل المالك ملكَه، ودنا الملك مِن شعبه. فمَن سيَصحو ويستعدُّ لمجيئه؟ مَن سيَدرس حقيقة مجيئه، ودستوره، ومقاصده؟ مَن ذا الَّذي يترك أهدافه الدنيوية الباطلة وراءه، ويتقدَّم إلى الله ويستقبله؟ مَن الَّذي يُدرك هذه الساعة الحاسمة الفريدة مِن الزَّمان الَّتي يأتي فيها الله؟
وهكذا حضر الرَّبّ فجأةً بين الخطاة. جاء دون أن يُلاحظه أحدٌ، صغيراً وهادئاً. لم يشأ أن ينوِّر العالم بعظمته وسلطانه وبهائه، بل أظهر تواضعه ومحبَّته وحقَّه. منذ بدء الخليقة، كان الاستكبار سبب سقوط النَّاس. فأظهر القدير نفسه متواضعاً. حتَّى الشَّيْطَان أراد أن يكون قويّاً بهيّاً ذكيّاً كالله، ولكنَّ المَسِيْح ظهر طفلاً ضعيفاً، مُضجَعاً في مذودٍ حقيرٍ. فبتواضعه ولُطفه وطاعته حقَّق الغلبة. لقد نزل إلى أحطِّ الدَّرَكَات البشريَّة كي يرفع الجميع ويُخلِّصهم معاً.
اسمعوا أيُّها النَّاس جميعاً! إنَّنا بعد هذه البشرى السَّارة نقرأ كلمةً مخيفةً مرعبةً، وهي أنَّ العالم لم يعرف النُّور ولم يُدركه. لم يُدرك أنَّ ابن الله اقترب وحضر بينهم. فالنَّاس بقَوا عمياناً وأغبياء على الرَّغم مِن فلسفاتهم وعلومهم وعبقريَّتهم الدُّنيوية. لم يُدركوا أنَّ الله واقفٌ أمامهم. لم يعرفوا خالقهم، ولم يَقبلوا مخلِّصهم الدَّيَّان.
نستنتج مِن هذه الحقيقة المؤلمة مبدأً هامّاً في مَلَكُوْت الله، وهو أنَّنا لا نستطيع إدراك الله بعقولنا وقدراتنا البشريَّة وحدها. فكلُّ معرفة عن محبة المَسِيْح هي نعمةٌ وهبةٌ مِن الله، لأنَّ الرُّوْح القُدُس هو الَّذي يدعونا بواسطة الإِنْجِيْل، وينوِّرنا بهباته، ويحفظنا في الإيمان الحق. فعلينا أن نتوب، ولا نتَّكل على ذكاء عقولنا، ولا على عواطف نفوسنا. نحتاج جميعاً إلى الانفتاح للنّور الحَقِيْقِيّ، انفتاح الزَّهر لأشعّة الشمس؛ وهكذا يخلق الإيمان بالمَسِيْح المعرفة الحَقِيْقِيّة. إنَّ هذا الإيمان المبتدئ ليس مِنَّا، بل هو عمل روح الرَّبّ في جميع الَّذين يُطيعونه.

الصَّلَاة
نشكرك أَيُّهَا الرَّبُّ المَسِيْح لأنَّك أتيت إلى العالم. لم تأتِ للدَّينونة والانتقام، بل لتنوير النَّاس جميعاً لخلاصهم. أمَّا نحن فعميان وأغبياء. فاغفر لنا ذنوبنا، وامنحنا قلباً مطيعاً. افتح عيوننا لنراك، وافتح نفوسنا لأشعَّة نورك اللِّطيف، كي نحيا في قوَّة روحك القُدُّوْس.
السُّؤَال
ما هي العلاقة بين المَسِيْح النُّور والعالم المُظلم؟