Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
3- المَسِيْح يدعو خِرافَه إلى ترك الرُّعَاة غير الصَّالِحين، واتِّباعه
(يوحنَّا 10: 1- 39)

أ: الخراف تسمع صوت الرَّاعِي الحَقّ
(يوحنَّا 10: 1- 6)
الأَصْحَاْح العاشر: 1اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الَّذي لاَ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ.2وَأَمَّا الَّذي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ.3لِهَذَا يَفْتَحُ الْبَوَّابُ وَالْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ فَيَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا.4وَمَتى أَخْرَجَ خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ يَذْهَبُ أَمَامَهَا وَالْخِرَافُ تَتْبَعُهُ لأَِنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ.5وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ لأَِنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ.6هَذَا الْمَثَلُ قَالَهُ لَهُمْ يَسُوع. وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مَا هُوَ الَّذي كَانَ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ


دلَّ المَسِيْح أعداءه في الأَصْحَاْحين 7 و8 على حقيقة حالتهم، وأظهر لهم في الأَصْحَاْح 9 عماهم عن معرفة الله، وابنه، وأنفسهم أيضاً. وهو في الأَصْحَاْح العاشر يحلُّ خاصَّته ورعيَّته مِن مسؤوليَّة اتِّباع قادتهم الخُطاة، ويدعوهم إليه. فهو الرَّاعِي الصَّالِح، والباب الوحيد المؤدِّي إلى الله.

يجمع الفلاَّحون في بعض القرى خرافهم في حظيرةٍ كبيرةٍ مُسيَّجةٍ، ويحرسونها ليلاً. وفي الصَّباح يأتي أصحابها الرُّعَاة، ويدخلون الحظيرة، داعين خِرافهم إليهم. ويَسمح الحرَّاس لهم بالدُّخول. وعندئذٍ يَحدث أمرٌ غريبٌ. فلا يقوم الرَّاعِي بجرِّ خرافه إلى خارج الحظيرة، بل يَدعوها بصوتٍ مُعيَّنٍ، وهي تُميِّز صوتَه عن غيره مِن الرُّعَاة وتتبعه. حتَّى وإن أبدل الرَّاعِي ملابسه بملابس غريبةٍ، فإنَّها مِن صوته تتبعه. بينما لو جاء راعٍ مزيَّفٌ، ولبس لباس الرَّاعِي الحَقِيْقِيّ، فلن يستطيع تحريك خروفٍ واحدٍ بصوته، لأنَّ الرَّعيَّة تتبع صوت راعيها الحَقِيْقِيّ الَّذي بصوته يقود خاصَّته إلى المراعي الخُضر ومياه الرَّاحة، فتجتمع خرافه حوله، ولا يبقى أيٌّ منها في الحظيرة، لأنَّ ثقتها براعيها كبيرةٌ وطبيعيَّةٌ.
استخدم يَسُوع هذا المثَل ليُرينا كيف يسمع الَّذين يَقبلونه صوتَه. فالمَسِيْح هو الرَّاعِي الإلهي. وهو لم يأتِ إلى شعب العهد القديم ليخطف أو يسرق خرافاً لنفسه، بل اختار خاصَّة الله مِن بينهم، ودعاهم إليه، وخلَّصهم، مقدِّماً لهم الغذاء الرُّوحِيّ باستمرارٍ. أمَّا الرُّعَاة الَّذين لم يفتح الله لهم الباب لشعبه، فيُشبهون لصوصاً يحومون حول رعيَّة الله كذئابٍ خاطفةٍ، ويندسُّون بينهم بواسطة وسطاء وحِيَل، ويخطفون الخراف لأنفسهم، ويفترسونها لمصلحتهم. فهُم يعيشون لأنفسهم، ويُكرمون ذواتهم، ولا يخدمون الرَّعية. فجميع الَّذين لم يَدعُهم الله شخصيّاً للخدمة، ولم يثبتوا في المَسِيْح، يُسمِّيهم ربُّنا لصوصاً وسارقين، يضرُّون أكثر ممَّا يبنون.
لقد أنبأ يَسُوع مسبقاً أنَّ أتباعه الحَقِيْقِيّين سيبتعدون عن الرُّعَاة الكذَبَة، ويثبتون بعيداً عنهم، شاعرين بالخطر في حينه. كما حثَّهم على الثِّقة بالوعد العَظِيْم أنَّ الله نفسه يعتني برعيَّته ويرعاها، كما جاء في المزمور 23 الَّذي يُردِّده جميع المخَلَّصين:

اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ.
فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي.
يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ.
أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً,
لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي.
عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي.
تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ
. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا.
إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي,
وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ.
(المزمور 23)

ولكنَّ الشَّعب لم يفهم كلام يَسُوع، ولم يُدركوا أنَّ رعاتهم غير أمناء، وغير مقتدرين، وأشرار (إِرْمِيَا 2: 8؛ 10: 21؛ حزقيال 34: 1- 10؛ زكريا 11: 4- 6). ورغم ذلك كلِّه، كان الله مستعدَّاً ليكون الرَّاعِي الصَّالِح للضَّالِّين، كي يرعى شعبه، بإرسال رعاة مخلصين إليهم، مثلما كان موسى وداود رعاةً مُرسَلين مِن الله.
يستعمل الكِتَاب المُقَدَّس استعاراتٍ بدويَّةً ورعويَّةً. فالعبارات "راعٍ"، و"رعيَّة"، و"حَمَل الله"، و"الخروف الضَّال"، وحتَّى "الفداء بسفك الدَّم" هي كلُّها مفرداتٌ رعويَّةٌ. واللهُ نفسهُ في ابنه يُسمِّي نفسَه "الرَّاعِي الصَّالِح" لِيُفهمنا جوهره المُعتني بنا.