Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
5- النَّاس يتقسَّون للدَّينونة
(يوحنَّا 12: 37- 50)
12: 37وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هَذَا عَدَدُهَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ.38لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاء النَّبِيِّ يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ.39لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَِنَّ إِشَعْيَاء قَالَ أَيْضاً40قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ.41قَالَ إِشَعْيَاء هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ.


صنع يَسُوع كثيراً مِن آيات محبَّته في أورشليم. وأدرك جميع الَّذين لديهم استعدادٌ وقبولٌ قدرة المَسِيْح ومصدره. أمَّا المتزمِّتون المقيَّدون بآراء مسبقَة، فلم يُدركوا المَسِيْح ومجده، لأنَّهم قاسوه بمقاييس المنطق الأعوج والتَّعصُّب الأعمى.
ينقاد كثيرون مِن النَّاس إلى الدِّعايات الكاذبة الَّتي يُروِّجها زعماؤهم، فتتشبَّع أفكارهم بهذه الأكاذيب الَّتي تجري فيهم جريان الدَّم في العروق، فتُسمِّم أذهانهم وقلوبهم، فلا يعيرون الله آذاناً صاغيةً، ولا يسمعون صوته، لأنَّ كلام الرُّوْح القُدُس رقيقٌ وهادئٌ ولطيفٌ، ويحتاج سماعه إلى انفتاحٍ في القلب، وهدوءٍ في النَّفس، بعيداً عن ضجيج الزعماء والأنبياء الكذبة وفلسفاتهم الباطلة الَّتي لا تخدم سوى معلِّمهم الكذَّاب إبليس. إنَّ كلَّ مَن ينظر إلى نفسه بإعجابٍ وغرورٍ في مرآة روحه، أو يُمجِّد الزُّعماء السِّياسيِّين والقادة الدُّنيويِّين، ناظراً إليهم نظرته إلى أصنامٍ بشريَّةٍ شامخةٍ، هو إنسانٌ لا يَعرف المَسِيْح، ولا يستطيع أن يُدرك حَمَل الله الوديع، ما لم ينكسر لغروره، ويُنكر ذاته، ويَتُب توبةً نصوحاً.
إنَّ المتمرِّدين على صوت الرُّوْح القُدُس المتكلِّم في الإِنْجِيْل، لا يُقسُّون أنفسهم بأنفسهم فقط، بل الله أيضاً، بعدله الإلهي، يسحب منهم القدرة المولودة فيهم على السماع والرؤية، فيتقسَّون أكثر. وهكذا لا يستطيعون إدراك حاجتهم بعد. فلا بُدَّ مِن الدَّيْنُونَة، ولا خلاص مِن الدَّيْنُونَة إلاَّ بالمُخلِّص الوحيد يَسُوع المَسِيْح.
نجد أنَّ بعض العائلات والعشائر والشعوب تعيش تحت غضب الله، لأنَّه ينصرف عن الَّذين ينصرفون عنه نهائيّاً، بعدما حاول مراراً وتكراراً أن يُعيدهم إلى قيادته الرَّشيدة. فالله يُقسِّي الَّذين يُصِرُّون على عدم إطاعة صوت روحه القُدُّوْس، بسبب عدل قداسته، لأنَّهم لولا تقسِّيهم لأمكنهم الرجوع إليه على الرَّغم مِن إجرامهم الرُّوحِيّ. فالله يجذب قلوب الخطاة دائماً إلى التَّوبة. ولكنَّ الَّذي يدوس محبَّته عمداً، ولا يقبل قوَّته في المَسِيْح، يسقط في الدَّيْنُونَة. فلا بُدَّ لله إذاًَ، لأجل قداسته، مِن تقسية العُصاة تدريجيّاً للهلاك.
إنَّ مفهوم تقسية الله للَّذين يُقاومونه ليس فلسفةً خياليَّةً، بل هو مِن صميم مجده. وقد تفهَّم إِشَعْيَاء النبي هذه الفكرة، واختبر مشيئة الله بكيانه، عندما سمع الرَّبّ يدعوه ليس إلى إنقاذ شعبه، بل إلى تقسية قلوبهم (إِشَعْيَاء 6: 1- 13). فالتَّبشير بالمَحَبَّة أهون مِن الإنذار بغضب الله ودينونته. إنَّ محبَّة الله ممتلئةٌ قداسةً وحقّاً وعدلاً ونوراً. ولا مكان للشَّر في حضوره، لأنَّ الشَّر يهرب مِن أشعَّة مجده. وبما أنَّ يَسُوع هو المَحَبَّة المقدَّسة المتجسِّدة، فبشخصه ينفصل النَّاس. ويؤكِّد البشير يُوْحَنَّا في إِنْجِيْله أنَّ الجالس على العرش العَظِيْم الَّذي رآه إِشَعْيَاء هو يَسُوع، لأنَّ الله وابنه واحدٌ في القداسة والمجد والمَحَبَّة.