Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
13:31فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوع الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللَّهُ فِيهِ.32إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعاً.


كيف يتمجَّد يَسُوع بعمل الخيانة هذا؟ كيف يمكن أن تخرج مِن الأَعْمَال الشِّريرة ثمارٌ صالحةٌ؟
تألَّم يَسُوع في نفسه حين تركه تلميذه المختار. فنظر إليه بعين المَحَبَّة وهو مولٍ الأدبارَ، لعلَّه يعود. وأبصره مِن البُعد في روحه، كيف لم يتراجع عن جريمته، بل هَرع إلى المجلس اليهودي الأعلى الَّذي جنَّد الحُرَّاس للقبض عليه ليلاً.
لم يهرب يَسُوع مِن الفخّ المنصوب له، بل تقدَّم إلى أعدائه طوعاً، مسلماً نفسه لهم، مُكملاً هكذا بفرحٍ خطَّة خلاص الله الفريدة. فهو صار إنساناً ليموت عن البشر حَمَلاً مقدَّساً. وكان في بهائه ومجده وجلاله يفوق كلَّ وصفٍ منذ انبثاقه مِن الآب، ثابتاً فيه بجوهر المَحَبَّة. لم يرتضِ يَسُوع مجده الخاص، لأنَّه رأى الملايين مِن النَّاس يموتون في الذنوب والعيوب. فعزم على تحرير خلائق أبيه مِن سلطة الشَّيْطَان، وأخلى مجده الأصلي، وأصبح إنساناً متواضعاً، وجال بيننا قُدُّوْساً بلا خَطِيئة، وحمل خطايانا بأعظم تواضعٍ في المَحَبَّة.
تغلَّب يَسُوع نهائيّاً على التجربة الشَّيْطَانية ليصير مَسِيْحاً سياسياً، عندما أرسل يهوذا لتنفيذ خيانته. فيَسُوع لم يُوافق على رجاء الخائن أن ينتزع السلطة الدنيوية لنفسه بقدرته الإلهية، بل فضَّل أن يموت كحَمَل الله الوديع، ليفدي البشر بالضَّعف. فاستهلَّ آلامه وموته بإفرازه الخائن، مُعلناً بموته أنَّ المَحَبَّة المُضحيّة هي لبُّ مجده.
لم يطلب يَسُوع مجداً شخصيّاً، بل أراد أن يُمجِّد الله بموته. فأبوه أرسله إلى الأرض لِيُخلِّص الضَّالين. والابن أراد أن يُعيد صورة الآب في الفاسدين. ولهذا التَّجديد أعلن يَسُوع الآبَ لهم، وربَّاهم على الإيمان بجودة الله الأبويَّة. ولكنَّ التَّربية وحدها لم تكن كافيةً، لأنَّ الذُّنوب تراكمَت حتَّى أصبحَت حاجزاً منيعاً بين الله وخلائقه. فبات على الابن أن يموت لتمجيد الآب، كي يزول هذا الحاجز الذي يفصلنا عن الله، وتتمّ بالتالي جميع مطالب البِرِّ، حتَّى يكون الخالق الأزليُّ أباً لكلِّ مولودٍ ولادةً ثانيةً.
فموت المَسِيْح هو المفتاح لتمجيد اسم الآب. وبدون موته لا معرفة حَقِيْقِيّة بالآب، ولا تبنٍّ شرعيّ، ولا تجديد حَقِيْقِيّ. فعندما ذهب يهوذا لتنفيذ ما أضمره مِن شرٍّ وخيانةٍ، عمد الابن إلى تعظيم الله الآب تعظيماً حَقِيْقِيّاً. فلم يُمجِّد ذاته، ولم يُبرز طاعته ونيَّته القُدُّوْسة، بل قال إنَّ الله الآب هو الذي يعمل فيه، منشئاً كلَّ الطاعة والقوة والمجد. فما أسمى وأرفع تواضع المَسِيْح!
وعندما أنكر المَسِيْح ذاته، عالماً أنَّ موته يُمجِّد اسم الآب، أعلن أيضاً علانيةً أنَّ :أباه سيُغدق عليه كلَّ مجدٍ ليُصبح في ذاته ينبوع جميع الأمجاد. فقُبَيل القبض عليه وصلبه، أبصر قيامته وصعوده وجلوسه على عرشه العَظِيْم. فلم يشكّ في تحقُّق مقاصد الله، بل كان مطمئنّاً واثقاً بمشيئة أبيه. كان ينبغي للمَسِيْح أن يتألَّم ويموت كي يدخل إلى مجده.
إنَّ كلَّ مَن يُنكر آلام المَسِيْح وموته، أو يعتبرها ضعفاً، يُخفق في إدراك مشيئة الله المتبلورة في الصَّلِيْب، وقداسة الابن الذي فجَّر القبر بقيامته. فالمَسِيْح أظهر مجده على المذبح الإلهي، حيث احترق عوضاً عن جميع النَّاس في غضب القُدُّوْس، لكي يتبرَّر كلُّ مَن يؤمن به، ويتقدَّس، ويثبت في حقوق ابن الله الموهوبة له في التَّبني. فالمَسِيْح لم يفزع وهو ينظر إلى صليبه، بل أبصر مجد الله الآب الحنون ظاهراً بكلِّ بهائه.
لم يقوَ يَسُوع على تحمُّل ساعات انتظار موته طويلاً، لأنَّه كان متشوِّقاً للقاء أبيه. فأراد الرجوع سريعاً إلى بيته الأزلي، لأنَّ الآب كان هدف حياته ومعناها. فكانت أفكار يَسُوع دائماً تدور حول أبيه، كما كانت أفكار أبيه دائماً تدور حول الابن. ولذلك كان فرح القيامة كامناً في نفس الابن قبل الموت. كما كان يقينه بالاتحاد بمصدره ثابتاً، ولا سيَّما في اللحظة الَّتي بدا فيها كأنَّ الله قد تركه، وابتدأت جهنَّم تُهاجمه بالخيانة والقتل. ولكنَّه في الدَّرك الأسفل لاتِّضاعه تكلَّم عن تمجيده وتمجيد الآب. فاعلم يا أخي علم اليقين أنَّ الثَّالُوْث الأَقْدَس هو أثبت حقيقةٍ في كوننا. وهو منتصرٌ ظافرٌ على الدَّوام، حتَّى في أسوأ حالات الانحطاط والتَّجارب والفشل.

الصَّلَاة
أيها الآب والابن والرُّوْح القُدُس، مَن نحن لِنُمجِّدك؟ نُعظِّمك لأجل خلاصك واتِّضاعك وآلامك وموتك وقيامتك. نؤمِن بأنَّنا افتُدينا بدم المَسِيْح، ونُمجِّدك بقوَّة الرُّوْح القُدُس. لقد خلَّصتنا وسط الضيق والخوف والموت. والحياة الَّتي تَهَبُها لنا أَبَدِيّةٌ. ونؤمِن أنَّ ابنك سيظهَر قريباً في المجد. آمِيْن.
السُّؤَال
ما هي معاني التَّمجيد الَّتي أبرزها يَسُوع عندما تركه يهوذا؟