Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
13:34وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً.35بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ


علم يَسُوع أنَّ تلاميذه لم يفهموه تماماً، لأنَّ الرُّوْح القُدُس لم يكن قد حلَّ فيهم بعد. فكانوا كعميانٍ، لا قدرة لديهم على الإيمان، ولا دافع للمحبَّة. فزوَّد أذهانهم بوصيَّةٍ ليحفظهم في اسمه، ويُحضرهم إلى الشَّركة مع الله، لأنَّ "اللهَ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي المَحَبَّة يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ." وما الثَّالُوْث الأَقْدَس إلاَّ محبَّة. وبما أنَّ المَحَبَّة الَّتي بين أقانيم الثَّالُوْث الأَقْدَس تُنشئ وحدةً دائمةً، فقد شاء يَسُوع أن يتجسَّد مبدأ الثَّالُوْث الأَقْدَس في البشر، فيتحقَّق مصدر القداسة في تلاميذه.
وهكذا أمر الرَّبّ تلاميذه بالمَحَبَّة. فلم يقصد محبة الذات، ولا العواطف الجنسيَّة، بل المَحَبَّة بين أعضاء الكنيسة. فلم يشترع محرَّماتٍ عشرة كما في العهد القديم، بل أوصى وصيَّةً واحدةً فقط تُتمِّم الوصايا الإلهيَّة الأخرى كلَّها، لأنَّ المَحَبَّة هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ. فبينما يُعلن لوحا موسى للناس وصايا سلبيّةً، يدفعنا يَسُوع إلى عملٍ إيجابيٍّ، كان هو بنفسه القدوة فيه. المَحَبَّة هي الجوهر في حياة الكنيسة. فالكنيسة الَّتي تفتقر إلى المَحَبَّة ليست كنيسةً.
المَحَبَّة هي سِرُّ شخصيَّة المَسِيْح. فهو تحنَّن على خرافه الضالة، وكان راعياً صالحاً لها. ورحم الخروف الضال. وصبر على تلاميذه واحتملهم بكلّ لطفٍ وحنانٍ، فكان برأفته وصلاحه وحنانه قدوتنا وحقَّنا وأساس العهد الجديد. لقد جعل المَسِيْح المَحَبَّة دستوراً لمَلَكُوْته. فالذي يُحب يثبت في رحابه، أمَّا الذي يكره فهو مِن الشَّيْطَان. المَحَبَّة لطيفةٌ حنونةٌ رقيقةٌ رفيقةٌ، لا تنتفخ ولا تحتدُّ، بل هي صبورةٌ، تتمنَّى الخير حتَّى للعدو، كما وصفها الرُّسُل في رسائلهم مراراً. ومحبَّة الله لا تسقط أبداً، فهي رباط الكمال.
إنَّ الرَّمز الخارق الذي يؤكِّد للناس مَسِيْحيَّة المَسِيْحيِّين ليس البلاغة، ولا الفلسفة، ولا الإيمان، ولا القوَّة، ولا التَّكلم بألسنة، ولا التَّنبؤ، ولا المَعْمُودِيَّة، ولا البهاء، ولا السُّلطان، بل المَحَبَّة وحدها. ما مِن علامةٍ أخرى للكنيسة إلاَّ التَّضحية في سبيل المَحَبَّة. إن تدرَّبنا على الخدمة نثبت كتلاميذ، ونتعلَّم في هدى يَسُوع ما هو معنى المَحَبَّة العمليَّة، فنحيا مِن غفرانه، ونسامح الآخرين بفرحٍ. فحيث لا يشاء أحدٌ في جماعةٍ أن يكون الكبير في جماعته، وحيث يفرح الجميع لأنَّ روح المَسِيْح قد وحَّدَهم، هُناك تحلُّ السَّماء على الأرض. وربُّنا الحيُّ يخلق، المرَّة تلو المرَّة، كنائس تمتلئ بالرُّوْح القُدُس الذي يغلب كلَّ استكبارٍ بواسطة المَحَبَّة المتواضعة. فلا وعد، ولا قوَّة أخرى للكنيسة اليوم، إلاَّ محبَّة المَسِيْح. ولأنَّه حيٌّ شفيعٌ، لا تنتهي محبَّته في الكنيسة. فمِن بركة ذبيحته نحيا، ومِن روح محبَّته نستمِرُّ.