Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
ثالثاً: الخطبة الوداعيَّة في العلِّيَّة
(يوحنَّا 14: 1- 31)

1- الله حضر في المَسِيْح
(يوحنَّا 14: 1- 11)
الأَصْحَاْح الرَّابِع عشر: 1لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فَآمِنُوا بِي.2فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ. وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً.3وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً.


اضطرب التَّلاَمِيْذ حين قال يَسُوع لهم إنَّه سيُفارقهم، وإنَّهم لا يقدرون أن يتبعوه إلى حيث يمضي. وكان يَسُوع قد أنبأ قبل ذلك بفشل بُطْرُس وإنكاره إيَّاه، حين كان بُطْرُس يُصرُّ على ملازمته وعدم التَّخلي عنه، مُظهراً إيمانه القوي. ولعلَّ التَّلاَمِيْذ قد داخلهم الظَّن أنَّهم رُبَّما أخطأوا في اتِّباعهم يَسُوع الذي سيمضي أو يموت، تاركاً إيَّاهم وسط الاضطراب والضيق والخطر.
ولكنَّ يَسُوع وبَّخ التَّلاَمِيْذ على تشاؤمهم ويأسهم، وثبَّت عزيمتهم قائلاً لهم: "اتَّكلوا على الله اتِّكالاً مُطلَقاً، فهو الأساس الأَمِيْن في كلِّ زمانٍ، الذي لا يتزعزع وإن تزعزع الجميع." فالمَسِيْح ينتهر خوفنا وضعف إيماننا واضطراب قلوبنا، لأنَّ الخوف دليل عدم إيمانٍ فهو خَطِيئة. ولذلك يأمرنا يَسُوع أن نتحلَّى بالشَّجاعة والجرأة وقوَّة الإيمان لأنَّ محبَّة الله حاضرةٌ في أولاده، وهو لا يتخلَّى عن أولاده مهما بلغت الشَّدائد والضيقات والأهوال والمصائب ذروتها. الآب السَّماوي القُدُّوْس لا يخدع أولاده ولا يتركهم. "وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتي تَغْلِبُ الْعَالَمَ إِيمَانُنَا."
وطلب يَسُوع لنفسه مِن تلاميذه المقدار نفسه مِن الإيمان والثقة والصَّلاَة، كما يحقُّ لأبيه. فهو واحدٌ مع أبيه، لأنَّ الابن في المستوى نفسه مع الآب. وكما يضمن الآب مستقبلنا هكذا يضمننا الابن أيضاً. ففي الابن حضر الآب في العالم، ومحبَّته تستحقُّ ثقتنا. وحقُّه لا يهتزُّ أبداً. المَسِيْح لا يُعلِّمنا خرافاتٍ، بل حقائق السَّماء الإلهيَّة.
لذلك أعلن لتلاميذه بعض ما سيحدث بعد موته وصعوده إلى السَّماء. فما كانت مبارحته هروباً مِن العالم، ولا إلقاءً للأحمال الثِّقال، بل عودةً حقَّةً إلى أبيه. وإنَّ لله بيتاً كبيراً أعظم مِن كلِّ ما بناه وامتلكه أغنياء العالم في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، وهو يسع في رحابه المجيدة جميع القدِّيسين في جميع الأزمنة. أَخِي العَزِيْز، قد يكون بيتك في هذه الدُّنيا الفانية خيمةً أو كوخاً أو مخيَّماً مِن التَّنك أو مِن أيِّ مادَّةٍ أُخرى؛ فلا تُبالِ، لأنَّ لأبيك السَّماوي غرفاً كثيرةً ومنازل وبيوتاً ضخمةً. وإمكانيَّاته لا تُحَدُّ، وما أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ لَمْ تَرَهُ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ بِهِ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ. فليطمئنَّ بالُك، لأنَّ أباك السَّماوي قد هيّأ لك منزلاً مفروشاً بالطَّهارة والدِّفء واللَّوازم والنُّور. وأنت مدعوٌّ للسّكنى قرب أبيك الحبيب إلى أبد الآبِدِيْن.
وقال المَسِيْح إنَّه مستعدٌّ أن يُهيّء منازل الله لأتباعه إن اقتضت الضرورة ذلك. ولكن لا حاجة لذلك، لأنَّ الله نفسه يُحبُّ المؤمنين، وقد هيَّأ هو بنفسه مكاناً مقدَّساً لهم. وقد رأى الابن البيوت المهيَّأة للمؤمنين عندما عاد إلى السَّماء، وزاد بلطفه في إعدادها وتهيئتها.
لقد جاء المَسِيْح إلينا لأنَّه لم يَرضَ الثبات في المجد بعيداً عنَّا، فشاء أن يرجع ليجذب أتباعه إليه. فالمَسِيْح يحب أحبَّاءه كما يُحبُّ العريس عروسه. وكما يُريد العريس أن يُعرِّف والديه بعروسه، هكذا أيضاً يريد المَسِيْح أن يُحْضِر الكنيسة عروسه أمام أبيه. ولكنَّ مخلِّصنا لا يريد فقط تعريفنا بأبيه، بل تثبيتنا في عائلته السماوية أيضاً، كي نكون عنده دائماً، محفوظين في حمايته ومبتهلين لجودته.