Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
2- الثَّالُوْث الأَقْدَس يحلُّ في المؤمنين بواسطة الرُّوح المُعَزِّي
(يوحنَّا 14: 12- 24)
14:12اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَال الَّتي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي.


إنَّ معرفة الآب والابن ليست فلسفةً ولا معرفةً منطقيَّةً، لأنَّ العلم العقليَّ ينفخ صاحبه، أمَّا معرفة محبَّة الآب وخلاص ابنه فتُحرِّر صاحبها للخدمة. لقد أعطى المَسِيْح تلاميذه وصيَّةً جديدةً، وهي ممارسة المَحَبَّة الإلهيَّة على الأرض. فطلب مِن أتباعه أن يُحقِّقوا هذه المَحَبَّة الإلهية في حياتهم قولاً وعملاً وصلاةً.
وطلب التَّلاَمِيْذ مِن يَسُوع حمايةً ومَخرجاً وزيادةً في معرفة الله، عندما أدركوا أنَّه سيُغادرهم. ولكنَّ المَسِيْح ثبَّتهم في الآب، لكي يستعدُّوا لتبشير العالم. فليس المهم همومهم الشَّخصية الزَّمنية، بل استعدادهم للخدمة الإلهية. فمعرفة الآب والابن تُحرِّرنا مِن الأنانية، وتفوِّض لنا الخدمة المتواضعة.
قال يَسُوع لتلاميذه: "مَن يؤمن بي يعمل، ولا يتكلَّم فقط، بل يذهب في طريق التَّضحية". فَبِقَدْرِ ما يُنكر المؤمن ذاتَه، ويُعظِّم المَسِيْح، يعمل المَسِيْح فيه. فالمَسِيْح ليس ميتاً، بل هو حيٌّ في وحدة الرُّوْح القُدُس، وثابتٌ في عرش أبيه. هذا هو المَسِيْح رَئِيْس الكَهَنَة الأعظم الَّذي يُحقِّق اليوم حقوق ذبيحته أمام القُدُّوْس شافعاً فينا. فللمَسِيْح الحقُّ في أن يضع جميع بركات السَّماء على الَّذين يؤمنون به. بهذا الإيمان استطاع الرُّسُل، بعد انسكاب الرُّوْح القُدُس، أن يشفوا المرضى، ويُقيموا الموتى، ويغفروا الذُّنوب باسم يَسُوع، لأنَّهم أنكروا أنفسهم، ونسوا أسماءهم، وغرقوا في محبَّة مُخلِّصهم الذي عاش فيهم، فأحبّوه بكلِّ كيانهم، ومجَّدوا اسمه بسلوكهم.
وفوق هذه الخدمات المقدَّسة، فوَّض المَسِيْح لهم القيام بأَعْمَال لم يتمكَّن هو مِن القيام بها في زمن اتِّضاعه على الأرض. فقد علَّم، وصنع عجائب، وبارك، ومات على الصَّلِيْب، وقام مِن الموت. ولكن كان ثمَّة أمرٌ واحدٌ لم يستطِع أن يفعله في حياته على الأرض، وهو سكب الرُّوْح القُدُس في قلوب تلاميذه؛ لأنَّ مهمَّته الأولى كانت التَّكفير عن ذنوب العالم. فبعد صعوده إلى السَّماء، أرسل الرَّبُّ روح الآب على الرُّسُل، كي يتجدَّد كثيرون بواسطة بشارتهم، ويُولَد لله أولادٌ كالنَّدى في إشراقة الشَّمس. فلا أجمل مِن هذه الخدمة سواء في الدُّنيا أو الآخِرة، أن نؤدِّي شهادَتنا عن المَسِيْح المصلوب والمقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ؛ لأنَّ بالإيمان بهذه البشارة ينال النَّاس الحياة الأَبَدِيّة. فيحلّ الرُّوْح القُدُس في الملتصقين بالمَسِيْح، جاعلاً منهم أبناءً لله، حتَّى إنَّهم يُعظِّمون أباهم في حياتهم كلِّها بسلوكهم القويم.