Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
رابعاً: الكلمات الوداعيَّة في الطَّريق إلى بستان جثْسَيْمَانِي
(يوحنا 15: 1- 16: 33)

1- مَن يَثبت في المَسِيْح يأتِ بثمارٍ كثيرةٍ
(يوحنا 15: 1- 8)
الأَصْحَاْح الخامس عشر: 1أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيْقِيّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ.2كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ. وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ.


نزل يَسُوع وتلاميذه، بعد العَشَاء الرَّبَّانِيّ، مِن الجبل القدسي، مارِّين بباب الأسوار الضَّخمة الَّتي في وادي قدرون، وصاعدين بعدئذٍ إلى جبل الزَّيتون، بين البساتين وكروم العنب. وبينما هم في الطَّريق، وضَّح يَسُوع لتلاميذه معنى إيمانهم، وغاية محبَّتهم، بواسطة كرمة مرُّوا بها أثناء سيرهم.
فسمَّى يَسُوع الله "الكرَّام" الَّذي غرس في دنيانا كروماً عديدةً، منها شعب العهد القديم، كما نقرأ في (المزمور 80: 9- 15 وإِشَعْيَاء 5: 1- 7). ولكنَّ الله امتعض مِن هذه الكرمة، لأنَّها لم تأتِ بثمرٍ كثيرٍ. فغرس شتلةً جديدةً في الأرض، هي ابنه المولود مِن الرُّوْح القُدُس، لكي يكون هو الكرمة الحَقِيْقِيّة، ويأتي بجنسٍ جديدٍ، وجيلٍ طاهرٍ يفيض بثمارٍ روحيَّةٍ كثيرةٍ.
فكان الموضوع الَّذي دلَّ يَسُوع تلاميذه عليه هو ثمار الرُّوْح القُدُس في الإنسان. لأنَّه علم أنَّ تعاليم الإنسانية كلها خداعٌ، وأنَّ في داخل كلِّ إنسانٍ حيواناً ينتظر مَن يثيره أو يوقظه لكي ينقضَّ على الآخَرين ويدوسهم ويُمزِّقهم ويفترسهم. هكذا قال يَسُوع في بدء تعليمه، أنَّه هو وحده الَّذي يأتي بالثِّمار المرضيَّة أمام الله، وقوَّته تعظم في الضُّعفاء. فالمَسِيْح هو صانع السَّلام وباني كنيسته.
أظهر يَسُوع أوَّلاً الناحية السَّلبية، وهي أنَّ الله يقطع مِن الكرمة كلَّ غصنٍ لا يفتح قلبه لدوافع محبَّته الرُّوحِيّة، ويمتنع عن عمل قوة الله في ضميره، ويرفض جريان العصارة اللذيذة مِن الكرمة إليه. فالله إذا لم يجد فيك ثمار الإِنْجِيْل، أو لم يُعطِ موت المَسِيْح وقيامته فيك تأثيراً ونتيجةً، سينتزعك مِن ابنه انتزاعاً.
ولكن عندما يرى "الكرَّام" أنَّ عصارة الرُّوْح القُدُس تُنشئ فيك علامات النمو، كما نمو الغصن في الكرمة، مورقةً ومُنشئةً فيك أطرافاً متماسكةً تحمل براعم واعدةً بثمارٍ كثيرةٍ، يأتي عندئذٍ بسكِّينه، ويقصُّ الأطراف غير النَّافعة، لكي تأتي بثمرٍ أكثر. علماً أنَّ هذه الثِّمار ليسَت ثمارَك، بل ثمار يَسُوع فيك، كما أنَّ الأوراق والثِّمار كلَّها هي مِن الكرمة، وليست مِن الغصن. فنحن بطَّالون، وهو الكلّ بالكلّ.
وكما تحتاج الكرمة كلَّ خريفٍ إلى القطع والتَّشذيب، كي تأتي في السَّنة القادمة بثمارٍ كثيرةٍ، هكذا تحتاج أنت أيضاً إلى مقصِّ الله ليقطع منك الزَّوائد الطبيعية والبشريَّة غير النافعة، لكي تنتهي معانداتك، وتموت عن خطاياك، فتتبلور قوَّة المَسِيْح فيك حتَّى تنضج. وللرَّبّ طرقٌ عديدةٌ لتخليصك مِن ذاتك. فالحوادث والفشل والأمراض وسواها تُهاجمك لكي تنكسر، فلا تحيا مِن ذاتك، بل مِن ربِّك، وتصبح إنسان المَحَبَّة مِن قدرته العَظِيْمة.