Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
3- العالم يُبغض المَسِيْح وأتباعه لعدم معرفة الآب
(يوحنّا 15: 18- 16: 3)
15:18إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ.19لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلَكِنْ لأَِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ لِذَلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ.20اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذي قُلْتُهُ لَكُمْ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ. وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ.


بعدما أظهر يَسُوع لتلاميذه اتِّحاده الكامل بالله، وأنبأ بمجيء الرُّوْح المُعزِّي، وطلب منهم المَحَبَّة بعضهم لبعض نتيجةً لثباتهم فيه، أعدَّهم لاحتمال البغضة مِن قِبَل العالَم.
العالَم هو نقيض الشَّركة المَسِيْحيَّة، فالأوَّل تمتلكه البغضة، بينما الأخيرة قوامها المَحَبَّة. والمَسِيْح لا يأخذ تلاميذه مِن عالم المصائب، ولا ينقلهم إلى جزيرة السُّعداء، بل يُرسلهم وسط العالم الشِّرير، كي تغلب محبَّتهم البغضة القاسية. وإرساله إيَّاهم على هذا النَّحو ليس نزهةً، بل هو في الواقع جهادٌ روحيٌّ، وصراعٌ مريرٌ. فدعاة المَحَبَّة يختبرون الرَّفض والكراهية والشَّتائم في أثناء خدماتهم. وسبب تلك التَّهجمات الشَّديدة ليس أخطاءً تصدر مِن رسل المَسِيْح، بل أحقادٌ دفينةٌ مصدرها مقاومة الأرواح الشِّريرة لكلمة يَسُوع. لقد اختبر ربُّنا المجيد الكامل في المَحَبَّة والحكمة الحقد الَّذي بلغ القتل. ورغم الاضطهاد والضيقات الَّتي تعرَّض لها لم يهرب مِن الميدان ولا مِن المواجهة، بل على العكس تقدَّم غير هيَّابٍ، ومات عن أعدائه ومُبغضيه، ضارباً للعالم كلِّه أعظم مثالٍ في المَحَبَّة والتَّضحية.
ليس أحدٌ مِنَّا ملاكاً، بل كلُّ إنسانٍ هو عضوٌ في مجتمع هذا العالم الشِّرير. مِن القلب تخرج الأفكار الشِّريرة، ولكن قد حلَّ فينا بنعمة المَسِيْح روحٌ جديدٌ. إنَّ الكلمة "توبة" تعني في اللّغة اليونانية تغيير الذِّهن، وليس مجرَّد الألم النفسي مع بقاء المتألِّم في خطاياه كسابق عهده. فالمولود مِن الرُّوْح القُدُس ليس مِن العالم، بل مِن الله. وقد اختارَنا المَسِيْح مِن وسط العالم. والكلمة "كنيسة" تعني في اللَّغة الأصليَّة جماعة المدعوِّين والمُختارين مِن العالَم لحمل المسؤولية معاً كهيئة معيَّنة معروفة. ولهذا السَّبب يعتبر العالَم الكنيسةَ شيئاً غريباً مُزعجاً، كحبَّة رملٍ في عين رمداء. ولو كان المَسِيْحيون يُفكِّرون ويعملون كباقي النَّاس، لَقَبِلَهم هؤلاء النَّاس. ولكنَّهم إذ لا يكذبون، ولا يسرقون، ولا يزنون، بل يبتعدون عن الشَّر والدَّعارة والأُبَّهة، فقد صاروا علامة توبيخ للغرقى في الذُّنوب الَّذين يُبغضوننا، لأنَّ روح الله الحالّ فينا يدين أَعْمَالهم الشِّريرة الطَّائشة. وهذا الانفصال المرير يُحدث أحياناً الشِّقاق، والبغضاء، والمكائد في العائلة الواحدة، وهذا ما اختبره يَسُوع بنفسه ضمن عائلته الزَّمنية (يوحنّا 7: 2- 9). وفي هذه الحالة يحتاج الثَّابت في المَسِيْح إلى مزيدٍ مِن الحكمة والتَّواضع في احتمال الاستهزاء والمحاربة والاضطهاد. وإن تعرَّضت إلى مثل هذا الموقف، فتذكَّر أنَّ يَسُوع قد اختبر هذا الموقف نفسه. فقد أبغضوه بدون سببٍ. ولأنَّه أحبَّهم وشفاهم صلبوه كمُجرمٍ.
ويمنحك المَسِيْح وعداً عظيماً، وهو أنَّ النَّاس مهما اضطهدوك وحاربوك، كما اضطهدوه وحاربوه مِن قبلك، فثمَّة مَن سيَسمع شهادتك، كما سمع كثيرون شهادته. وكما سبَّبَت كلمته المشحونة بالرُّوْح إيماناً ومحبَّةً في المستمعين، هكذا ستخلق شهادتك الضَّعيفة في بعض المستمعين حياةً أَبَدِيّةً ورجاءً يقيناً؛ لأنَّ كلَّ مَسِيْحيٍّ هو سفيرٌ للمَسِيْح في عالم البغضاء. فهلمَّ لتحقيق دعوتك السَّماوية.