Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
15:26وَمَتى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي.27وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَِنَّكُمْ مَعِي مِنْ الاِبْتِدَاءِ.


ماذا كان جواب الثَّالُوْث الأَقْدَس لبغضة العالم وصلبهم ابن الله؟ كان إرسال الرُّوْح القُدُس. ومجيء الرُّوْح القُدُس هو أعجوبة حاضرنا، لأنَّه يعني مجيء الله إلى العالم. فهو منبثقٌ مِن قلب الآب، ومنسجمٌ معه في وحدة الذَّات والرَّأي، ويُريد فداء العالم الَّذي اشترك هو في خلقه، وهو يرفُّ على وجه المياه، حين كان الظَّلام يعمُّ وجه الغمر.
وهذا الرُّوْح أرسله يَسُوع إلينا، كما أنه آتٍ أيضاً مِن الآب. فالمَسِيْح أرسله مِن الآب. وفي هذه الإعلانات نشعر مرَّةً أخرى بقليلٍ مِن الأسرار العُظمى الكامنة في الثَّالُوْث الأَقْدَس وتعاونه الذَّاتي الانسجامي. وإذ تكون البغضة هائجةً على الأرض، فإنَّ الوحدة والمَحَبَّة والهدف المحدَّد هي مِن جوهر الله الأوحد الَّذي عزم على فداء العالم الحقود. فلم يبق الرُّوْح القُدُس في السَّماء، بل ذهب مُطيعاً، وانسكب في قلوب أتباع يَسُوع غير النَّاضجين. فمحبَّته وتواضعه عظيمان، كما محبَّة وتواضع يَسُوع والآب.
وكذلك برُّ الرُّوْح القُدُس عظيمٌ كبرِّ المَسِيْح والله. وهو بدون جورٍ ولا احتيالٍ ولا اعوجاج. واسمه الرُّوْح القُدُس لأنَّه يدين الشَّر في العالم، ويدفعنا دفعاً لطيفاً نحو قداسة الله. فهو إذاً لا يُغطي بسطحيَّةٍ ذنوب البشر، بل يكشف كلَّ نجاسةٍ وزنىً وكذبٍ وابتزازٍ وكبرياء وافتراء. فلا يحتمل الخطيئة مهما صغر شأنها. وهكذا يكون حضوره في التَّلاَمِيْذ سبباً لإبغاض العالم لهم، لأنَّه يدفعهم إلى التواضع والوداعة وإنكار الذَّات والصِّدق، بينما العالم غارقٌ في الكبرياء والعناد والخداع. فأوَّل صفةٍ للروح القدس هي أنَّه الروح الحق، لأنَّه يُوبِّخ النَّاس على خطاياهم.
وهذا الرُّوْح، في الوقت نفسه، يُعزِّي التَّلاَمِيْذ، ويُؤكِّد لهم أنَّهم لا يركضون وراء سراب إن هم تبعوا يَسُوع، بل إنَّه المَسِيْح ابن الله الحق المُتمِّم خلاصَه. فالرُّوْح المُعزِّي يُعطي روحنا شهادةً عن يَسُوع، ويوضح مبادئه لأذهاننا كي نرى في محبَّة الابن الآب نفسه. فبدون الرُّوْح القُدُس لا يستطيع المَسِيْحي أن يؤمن إيماناً فعلياً حَقِيْقِيّاً. فنعترف مع جميع المؤمنين بأنَّنا لا نستطيع أن نؤمن بيَسُوع المَسِيْح ربّنا مِن تلقاء أنفسنا، أو بفضل عقولنا أو قدراتنا الشَّخصية، ولا القدوم إليه والاقتراب منه بأيِّ واسطةٍ غير الرُّوْح القُدُس الَّذي دعانا بالإِنْجِيْل، وأنارنا بمواهبه، وقدَّسنا بالإيمان الحقّ، وحفظنا فيه، كما يدعو جميع المَسِيْحيين، ويجمعهم ويُنيرهم ويُقدِّسهم في يَسُوع المَسِيْح، ويحفظهم في الإيمان الصَّحيح الواحد، ويغفر لنا يومياً ولجميع المؤمنين بالمَسِيْح جميع خطايانا بغنى وافر. وسيُقيمنا وجميع الأموات في اليوم الأخير، ويهب لنا الحياة الأَبَدِيّة. وهذا حقٌّ ويقينٌ.
وفي قوَّة دوافع الرُّوْح المعزِّي ننال المَحَبَّة لنُحبَّ العالم كما أحبَّه الآب والابن. ويُرشدنا الرُّوْح القُدُس إلى النَّاس الَّذين يشتاقون إلى البِر والخلاص، ويُعِدُّهم للاستماع، ويتكلَّم بواسطة كلماتنا الحقيرة، منشئاً في المؤمن الاستنارة والخلاص والقداسة. فلسنا نحن الشُّهود عن المَسِيْح وأمانته، بل الرُّوْح القُدُس هو خالق الفعالية في شهادتنا. فلا تتَّكل على فهمك وخبرتك، إن شئتَ أن تُقدِّم المَسِيْح للأفراد، بل ابنِ نفسك كلِّياً على الرُّوْح الحكيم، مصغياً إلى كلماته، لتتعلَّم كيف تُعظِّم يَسُوع. فاستماع قلبك إلى صوت الرُّوْح القُدُس أثناء شهادتك ومكالماتك، يجعلك رسول الله بالتَّأثير الفعَّال.
سمَّى المَسِيْح الرُّسُل الأحد عشر إلى جانب الرُّوْح القُدُس شهوداً له، وهذا معناه امتيازٌ لا يناله غيرهم. فكان تلاميذ يَسُوع شهود العيان لسيرة يَسُوع التاريخيّة على الأرض. فشهدوا بما رأوا وسمعوا ولمسوا. وكلامهم يُثبت تحقّق وجود محبّة الله على الأرض. وإيماننا كلُّه مبنيٌّ على شهادتهم. فالمَسِيْح لم يؤلِّف كتاباً، ولم يكتب رسالةً واحدةً. ولكنَّه استودع خلاصه كلَّه في شهادة الرُّوْح القُدُس وأقوال التَّلاَمِيْذ المبنية على سلوكهم، عالماً أنَّ روح الحق لا يكذب، بل يبرهن للعالم المريض قوَّة محبة المَسِيْح بفم تلاميذه. والمَسِيْح نفسه قال لرسله: "سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتى حَلَّ الرُّوْح القُدُس عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا".
فالرُّوْح القُدُس يدفع اليوم أتباع يَسُوع الأمناء إلى الشَّهادة، والمواظبة على الصَّلاَة، والسُّلوك الطَّاهر في المَحَبَّة، كي لا يهنأ للناس بالٌ إن لم يَقبلوا يَسُوع. فالرَّبّ لم يترك عالم البغضاء غاضباً مغتاظاً بعدما صلبوه ورفضوا إِنْجِيْله، بل أرسل روحه المُعزِّي إلى عالمنا الشِّرير تثبيتاً لمحبَّة الله اللاَّنهائيَّة.

الصَّلَاة
نَسجد لك يا ابن الله القُدُّوْس، لأنَّك واحدٌ مع الآب والرُّوْح القُدُس. لم تتركنا يتامى، بل أرسلتَ إلينا روح الحقِّ والقوَّة للشَّهادة، لنتقدَّس بمجيئه. اغفر لنا جبننا، وعلِّمنا أن نشهد بشخصك كي يعرفك كثيرون، ويصطفُّوا معنا في صفوف المبتهجين المنتظرين مجيئك الثَّانِي.
السُّؤَال
كيف يُواجه الله العالم الَّذي صلب المَسِيْح؟