Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
15:5أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. لأَِنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً.


ما أسمى الإكرام الَّذي منحنا يَسُوع إيَّاه: أن نُشبه، نحن الفاسدين بطبيعتنا، أغصاناً مقدَّسةً صادرةً مِن قلبه. فهو الَّذي خلق فينا الحياة الرُّوحِيّة. وكما يظهر في الكرمة أوَّلاً برعمٌ صغيرٌ، ومنه تمتدٌّ نُبيتَةٌ، وبعدئذٍ تنمو حتَّى تصير غصناً صالحاً طويلاً، هكذا يُخرج يَسُوع المؤمِنَ مِن ذاته، بكلِّ صفاته وفضائله المَسِيْحيَّة. فالفضل في إيماننا ليس لنا، بل هو نعمةٌ فوق نعمةٍ. بيد أنَّنا مسؤولون عن الثَّبات في يَسُوع.
بعدئذٍ أعلن لنا ابن الله عبارةً غريبةً نجدها حوالي 175 مرَّةً في الإِنْجِيْل، وهي أنَّنا "فيه". بينما نجد العبارة الَّتي تليها وهي أنَّه "فينا" ترد أقلَّ مِن الأولى في نصوص الإِنْجِيْل المقدَّس. والمقصود بالعبارة الأولى أنَّ المؤمن الحَقِيْقِيّ لا يكون مؤمناً بالعقيدة الإِنْجِيْلية فحسب، بل مرتبطاً أيضاً بيَسُوع في العهد الجديد. وهذا الارتباط الرُّوحِيّ متماسكٌ جدّاً، حتَّى إنَّنا نرى أنفسنا ملتحمين بيَسُوع في وحدةٍ إلهيَّةٍ. وبالأحرى نحن فيه مضمونون محفوظون مختبئون. فلا يهمُّنا اسمنا ولا شهرتنا، بل هو المهمُّ الوحيد في حياتنا. فكما تجتذب الشَّمسُ النَّجمَ ليلتحم بها ويذوب فيها، هكذا يدعونا المَسِيْح أن نلتحم به، ونذوب في محبَّته، ونثبت ثباتاً فيه، فننقص نحن ونصبح لا شيء، لكي يَظهر هو وحده، ويتمجَّد على الدَّوام.
أمَّا العبارة الثَّانِية، فيؤكِّد الرَّبُّ لك بها أنَّ شخصيَّتك لا تنتهي بواسطة الإيمان، ولا تغرق في شعورٍ صوفيٍّ، بل إنَّه يُنشِّط إرادتك، ويملأ ثقافتك بروحه. فالمَسِيْح يُريد أن يقودك إلى النُّضح، ويجبل فيك الصُّورة الَّتي قصدها لك في مسرَّته مِن قبل. والَّذي يحلُّ فيك وفي شركة القدّيسين ليس جزءاً مِن المَسِيْح فقط، بل ابن الله، بكلِّ إمكانيَّاته وصفاته. فأين إيماننا، وأين محبَّتنا؟
وما هو هدف اتِّحاد ابن الله بالنَّاس؟ لماذا مات المَسِيْح على الصَّلِيْب، وانسكب الرُّوْح القُدُس على القلوب المؤمنة؟ ما الَّذي يطلبه الله منك؟ إنَّه ليس سوى الثَّمار الرُّوحِيّة الموهوبة لك مِن الله. وثمار الرُّوْح القُدُس هي المَحَبَّة والفرح والسَّلام والتَّأني واللُّطف والصَّلاح والإيمان والوداعة والتَّعفف. فهل استطاع يَسُوع أن يُزيل عنادك، ويُنشئ فيك التواضع وإنكار الذَّات، لتصير إنساناً مقدَّساً، عاملاً في المَحَبَّة؟ هل تلتزم واجبات الشَّركة مع الإخوة؟ هل تقنع بالكفاف وسط الغلاء، وأمام مُغريات الحياة؟ هل تُصلِّي لأجل الآخَرين بغيرة وحماس الرُّوْح القُدُس؟ إنَّ الثِّمار الإلهية ليست مجرَّد فضائل مقدَّسة تتحلَّى بها في حياتك الشَّخصية، بل هي أيضاً تجديد أناسٍ يولَدون ثانيةً مِن خلال شهادة سلوكك وصلواتك. فالله يُريد أن يُدخل أناساً آخَرين بواسطتك إلى الحياة الأَبَدِيّة، حتَّى يمتلئوا بصفات الله وروحه.
لكن ينبغي أن نتعلَّم أنَّنا لا نستطيع أن نعمل شيئاً مِن هذه الأمور الرُّوحِيّة مِن تلقاء أنفسنا، كما إنَّنا لا نستطيع القيام بالأَعْمَال الضرورية أو الاختيارية مِن تلقاء أنفسنا، كالتنفس والمشي والتكلم والصَّلاَة والإيمان والمَحَبَّة إلاَّ بحماية الحقّ المشعّ مِن الصَّلِيْب. فلولا الصَّلِيْب لأباد الله كلَّ إنسانٍ. ولكنَّ الله، لأجل دم المَسِيْح، يمنح كلَّ إنسانٍ فرصةً للحياة.
أمَّا نحن المؤمنين، فلنا امتياز الحياة الرُّوحِيّة الصادرة مِن يَسُوع وحده. فينبغي أن نشكره لأجل كياننا الرُّوحِيّ، والقوَّة الإلهيَّة الموهوبة لنا، والخدمات الممنوحة للمختارين؛ لأنَّ هذه القوى والخدمات كلَّها هي نعمةٌ، وليست حقَّاً ولا مكافأةً. فبدون المَسِيْح لا نستطيع أن نعمل شيئاً.