Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
16:12إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لأَِقُولَ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ.13وَأَمَّا مَتى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَِنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ.


المَسِيْح هو العليم، وقد شاء أن يُعْلِم أحبَّاءه بجميع أسرار السَّماوات والمستقبل. ولكنَّ أذهانهم البشرية لم تكن قادرةً على استيعاب جميع الحقائق. وهكذا لا نستطيع نحن بعقولنا البشريَّة أن نُدرك بمنطقنا البشري أنَّ المَسِيْح جالسٌ عن يمين الله في السَّماء، وحالٌّ في الوقت نفسه في قلوبنا. ولذلك نحتاج إلى منطق الرُّوْح القُدُس لكي يُنوِّرنا. وهذا الروح ليس مقيَّداً بمكانٍ أو زمانٍ. كما أنَّنا لا نفهم بطبيعتنا كيف أنَّ الله واحدٌ في ثلاثة أقانيم في آنٍ واحدٍ معاً، لأنَّ هذا الأمر يفوق أذهاننا البشرية. ولكنَّه قادرٌ أن يوحي لنا بأسرار المستقبل وخفايا القلوب، لأنَّه عارفٌ أيضاً أعماق اللاَّهُوْت، ويُثبِّتُنا فيه.
وأنبأ المَسِيْح تلاميذه أنَّ روح الحقّ سيأتي ويُرشدهم إلى الحق كلِّه. فما هو الحقُّ؟ لم يستعمل المَسِيْح الكلمة في صيغة الجمع لوصف الحقوق الدُّنيوية، بل في صيغة المفرد، كما قال سابقاً: أنا هو الحقّ. فالإعلان عن مجيء الرُّوْح القُدُس يعني أنَّه يُرشدنا إلى ملء المَسِيْح علماً وجوهراً وأَبَدِيّةً. وبما أنَّ يَسُوع ليس شخصاً منفرداً، بل الآب فيه وهو في الآب، لذلك فإنَّ الإرشاد إلى الحقّ كلِّه يعني معرفة الآب، وثباتنا في محبَّته، وبقاءنا في أَبَدِيّته. والكلمة "حَقٌّ" في الإِنْجِيْل لا تعني الحقَّ الشَّرعي، والعدل المنطقي، والصِّدق الأدبي فحسب، بل يتَّسع معناها ليشمل جميع الحقائق جملةً وتفصيلاً. وهكذا يُرشدنا الرُّوْح القُدُس إلى حقائق السَّماء، لنعرف الله في ثالوثه، ونختبر قواه العجيبة.
إنَّ الرُّوْح القُدُس، مع ذلك كلِّه، هو شخصٌ مستقلٌّ يتكلَّم ويسمع وله إرادةٌ حرَّةٌ، ولكنَّه في الوقت نفسه لا يعمل إلاَّ مشيئة أبيه. فالرُّوْح القُدُس لا يأتي بأفكار خاصَّةٍ مِن عنده، كما أنَّ المَسِيْح لم يأتِ بأفكارٍ خاصَّةٍ مِن عنده، بل أخبرنا بما قاله أبوه. ففي الثَّالُوْث الأَقْدَس لا يوجد إلاَّ خضوع متبادل في حرِّية المَحَبَّة. والرُّوْح القُدُس أمينٌ في نقل الشَّهادة الَّتي يسمعها مِن ابن الله، ولا يخبئها عنَّا، بل يُدخل فينا الحقَّ كلَّه. وهكذا يُريد أن يبني الكنيسة بجُملتها كجسد المَسِيْح، ويُكملها طاهرةً نقيَّةً، لتكون كاملةً في المَحَبَّة عند مجيء المَسِيْح عريسها. فلا الماضي ولا المستقبل مستتران عليه. وهو قد أعلن ليوحنّا التلميذ رؤيا تضمنَّت سلسلة صور عظمى لا يستطيع رسَّامٌ أو فنَّانٌ أو مُخرج أفلامٍ أن يتخيَّل مثيلاً لها. وهذه الصُّوَر كلُّها لم تكن خيالاتٍ ولا أحلاماً، بل وصفاً دقيقاً للحقائق الَّتي سيشهدها العالم في المستقبل، وعندما يحين موعد الدَّيْنُونَة الأخيرة.