Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
18:4فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ مَنْ تَطْلُبُونَ.5أَجَابُوهُ يَسُوع النَّاصِرِيّ. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَنَا هُوَ. وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ.6فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ إِنِّي أَنَا هُوَ رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ.


لا نعلم بأيِّ طريقةٍ بلغ المهاجمون البستان. ولعلَّهم أحاطوا بالمكان، مستعملين الكثير مِن المشاعل، حتَّى لا يتركوا ليَسُوع مجالاً للهرب. وكان يَسُوع آنئذٍ مستغرقاً في صلاته، وتلاميذه نيامٌ. فأبصر في صلاته الفرقة المُقبلة عليه تقترب منه ويتقدَّمها الخائن. فلم يهرب على الرَّغم مِن علمه بما سيَلقَاهُ مِن محاكمةٍ ظالمةٍ، وعذابٍ مريرٍ، وموتٍ فظيعٍ، بل كان واعياً في الرُّوْح القُدُس، مُطيعاً لأبيه حتَّى الموت، موت الصَّلِيْب. فقام وخرج مِن البستان، وأسلم نفسه بكلِّ جلالٍ وكرامةٍ. فلم يكن يهوذا هو مُسلِّم يَسُوع، بل الرَّبّ نفسه هو الَّذي سلَّم ذاته.
وسأل أعداءَه مَن يطلبون. وعندما تلفَّظوا باسمه، أجابهم بالعبارة الإلهية: "أَنَا هُوَ". فكلُّ مَن كانت له أذنٌ روحيَّةٌ أدرك حينذاك أنَّ الله بنفسه كان حاضراً بين النَّاس بيَسُوع، قائلاً لهم عبارته الشَّهيرة الَّتي قالها في الماضي لموسى في العلَّيقة: "إنِّي أَنَا هُوَ". "فهل تريدون أن تقتلوا ربَّكم وإلهكم، مخلِّصكم وراحمكم؟ إنِّي أَنَا هُوَ. انتبهوا واحذروا ما تعملونه. أنا الخالق والفادي الَّذي يقف أمامكم. لا تكونوا أغبياء عمياناً جهلاء. إنِّي أنا الله الحَقِيْقِيّ. ألا تعرفونني؟"
وكان يهوذا واقفاً بجانب الجند ويَسُوع أثناء الحديث، وسمع عبارة يَسُوع الَّتي دانته في الصَّميم، فكان لها وقع مسمارٍ ناريٍّ في قلبه. وهذه آخر مرَّةٍ يُذكر فيها هذا الخائن في إِنْجِيْل يوحنّا. فلم يذكر يوحنّا في إِنْجِيْله تقبيل يهوذا ليَسُوع، ولا كيفية انتحاره، لأنَّ يوحنّا لم يكن مهتمّاً بيهوذا الخبيث قَدْرَ اهتمامه بإبراز صورة يَسُوع الشُّجاع الَّذي تقدَّم بكلِّ عزمٍ إلى أعدائه، وأعلن ألوهيَّته في العبارة "أَنَا هُوَ". فكان هذا التَّسليم الطَّوعي الوديع سيفاً قاطعاً طعن يهوذا في الصَّميم. فالرَّبّ لم يُقاوم، ولم ينتزع السُّلطة بالقوَّة لنفسه،بل أعلن ذاته إلهاً مستعدّاً للآلام والموت. عندئذٍ صُعِق يهوذا في عقله كما بتيَّارٍ كهربائيٍّ، وكذلك ارتعب الخُدَّام أمام جلال يَسُوع، وكانوا قد تهيّأوا للمصارعة والقتال كي يقبضوا على هذا المتّهم الجليل، وها هو يتقدَّم إليهم كملكٍ متوَّج، أو رئيس كهنةٍ يوم التَّكفير العَظِيْم، قائلاً لهم: "إنِّي أَنَا هُوَ المطلوب". فتراجعوا مشدوهين، واصطدم بعضهم ببعضٍ في ذهولٍ ودهشةٍ، حتَّى سقطوا على الأرض. وآنذاك كانت الفرصة سانحةً ليَسُوع كي يتجاوز صفوفهم، ويهرب بحياته. ولكنَّه ظلَّ واقفاً بإباءٍ وشموخٍ أمام المتساقطين أمام جلاله.