Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
4- صَلب يَسُوع ومَوتُه
(يوحنّا 19: 16- 37)

أ: الصَّلب، ووضع عنوان على الصَّلِيْب
(يوحنّا 19: 16- 22)
19:16فََأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ.17فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيّةِ جُلْجُثَةُ18حَيْثُ صَلَبُوهُ وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا وَيَسُوع فِي الْوَسَطِ.


كانت ثلَّةٌ مِن الجنود الرومان على وشك الذَّهاب لِصَلب لصَّين مُجرمَين، عندما سلَّم بيلاطس إليهم يَسُوع كمجرمٍ ثالثٍ، كي يتخلَّصوا مِنهم جميعاً قبل العيد.
فوضع الجنود على كلٍّ مِن هؤلاء الثلاثة صليبه، كي يحمله بنفسه. ولم يرفض يَسُوع الصَّلِيْب، بل حمل أداة موته بقَدر استطاعته البشريَّة إلى المنتهى. وهكذا سار هؤلاء المجلودون الثلاثة، وآثار التَّعذيب والدِّماء ظاهرةٌ على أجسادهم، في أزقَّة المدينة، أمام الدَّكاكين المفتوحة، حتَّى بلغوا الباب الشِّمالي الشَّرقي، وهم يلهثون مِن الألم والتَّعب، ثمَّ وصلوا التَّلة المسمَّاة "جمجمة"، والَّتي تشبه مِن بعيدٍ جمجمةً بشريَّةً كبيرةً، وهي أعلى قليلاً مِن أسوار المدينة. وكان العابرون مِن هناك يُشاهدون بأعينهم المحكوم عليهم بالصَّلب وهم مُعلَّقون على صلبانهم خارج المدينة.
على تلَّة "الجمجمة" وقف يَسُوع، وغرز صليبه في تلك الجمجمة الَّتي تُمثِّل العقل البشريَّ الَّذي لا يُمكنه إدراك ابن الله إلاَّ بالصَّلِيْب وحده. هناك دقَّ البشر الزُّناة الخُطاة المسامير الصَّدئة في يدَي ابن الله، مسمِّرين إياه على خشبة العار، وجرُّوه إلى عمودٍ مثبَّتٍ في الأرض.
كان الصَّلب مِن أبشع وسائل الإعدام، لأنَّ المصلوب يقاسي مِن الأهوال والآلام ما لا يُنطَق به. فكان المصلوب يُترك مُسمَّراً على الصَّلِيْب وهو ينوء بحمل جسده الَّذي يتثاقل أكثر فأكثر، بينما تؤدِّي الأوجاع الرَّهيبة إلى ظهور أعراض خطيرة في المصلوب كالتَّصلُّب المتفاقم، والهلوسة، والعطش الشَّديد، حتَّى إنَّه يتمنَّى الموت ولا يجد إليه سبيلاً، فلا موت أفظع مِن الموت عطشاً، والعضلات متقلِّصةٌ متيبِّسةٌ، والإنسان حاملٌ ثقل جسمه كلِّه، دون أن يستطيع حراكاً حتَّى يحدث الموت نتيجة الاختناق البطيء، بعدَما ينهار المصلوب تحت ثقل وزن جسمه. وكان المصلوب أحياناً يبقى ثلاثة أيّامٍ وثلاث ليالٍ على قيد الحياة، معلَّقاً على خشبة اللَّعنة، وهو يُقاسي هذه الآلام الرَّهيبة حتَّى توافيه المنيَّة.
لم يُسجِّل يوحنّا البشير تفاصيل الصَّلب، لأنَّ قلمه أبى أن يصف هذه الحادثة المروِّعة الَّتي أرعبت جميع المؤمنين والملائكة وحتَّى الآب السَّماوي نفسه. لقد رفض البشر محبَّة الله، وسيطرت بغضة جهنَّم عليهم، فأماتوا بهذه الطَّريقة الوحشيَّة ابن الله المولود مِن الرُّوْح القُدُس، وأكملوا بخطيَّتهم هذه ذبيحة المَسِيْح الذَّاتية الَّتي كفَّرَت عن خطاياهم.
لم يحمل المَسِيْح، وهو على خشبة العار، هالةً مذهَّبةً حول رأسه، بل حمل هول الأوجاع الَّتي عصفت به ومزَّقَت جسده الطَّاهر. وفي عمق تواضعه أعلن مجده بالصَّبر ونكران الذَّات.
يا له مِن عملٍ مُخْزٍ، أن يُعلَّق يَسُوع بين لصَّين، يلتفتان حولهما وهما على الصَّلِيْب شاتمَين ولاعنَين. لقد أعلن الرحيم الطاهر ذاته، حتَّى في اللحظة الأخيرة مِن حياته، رفيقاً للخطاة. ولهذا السَّبب كان ابنُ الله ابنَ الإنسان، كي يصير أبناءُ الإنسان أبناء الله المبرَّرين. فهبط إلى أحطِّ الدّركات كي لا يقول أحدٌ إنَّ يَسُوع لم يتنازل إلى مستواه. فأينما كنت، وكيفما سقَطْتَ، يستطيع المَسِيْح أن يغفر ذنبك، ويُطهِّرك، ويُقدِّسك إلى التَّمام.