Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
د: إكمال يَسُوع الشَّرِيْعَة والفداء؛ وتحقيقُه قصدَ الله الأزلي، ورموزَ العهد القديم وشعائرَه ونبوَّاته
(يوحنّا 19: 28- 30)
19:28بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوع أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ أَنَا عَطْشَانُ.29وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاًّ. فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ.


كانت ليوحنّا البشير موهبة عرض الكثير مِن الأفكار العميقة بواسطة القليل مِن الكلمات الوجيزة. فهو لم يُخبرنا شيئاً عن الظلمة الَّتي لفَّت الكون ساعة الصَّلب، ولا عن صرخة المَسِيْح حين رأى نفسه متروكاً مِن الله وسط لهيب غضبه على خطايا البشر. ولكنَّنا نفهم أنَّ يَسُوع، في نزاعه الأخير الَّذي دام ثلاث ساعاتٍ أو أكثر، شعر بدنوِّ الموت. لم يرَ يوحنّا أنَّ الموت ابتلع يَسُوع، بل أنَّ يَسُوع هو الَّذي أسلم نفسه للموت طوعاً بملء إرادته، لأنَّ نفسه كانت قد تعبت جدّاً في إكمال الفداء الشَّامل العالم كلَّه. لقد رأى يَسُوع الخلاص التَّام للجميع، وأبصر كيف سيُحرِّر موته ملايين الخطاة مِن ذنوبهم، ويمنحهم حق القدوم إلى الله. فرأى الحصاد وثمار موته مسبقاً.
عندئذٍ انطلقت آهةٌ مِن شفتيه: "أنا عطشان". الَّذي خلق الكون، ومشى على الماء، وركَّب الماء مِن الأوكسجين والهدروجين عطشانٌ، يطلب ماءً ليشرب. المَحَبَّة المتجسِّدة اشتاقت إلى محبَّة الآب الَّذي حجب وجهه عن ابنه. هذا هو مشهد جهنَّم، مشهد الإنسان العطشان جسداً وروحاً، دون أن يجد ماءً. وكما عطش الغني وهو في لهيب جهنم، حسب مثَل يَسُوع، وطلب إلى إبراهيم أن يُرسل لِعَاْزَر لِيَبُلَّ طَرَفَ أُصْبَعِهِ بِمَاءٍ، وَيُبَرِّدَ حَلقه المتورِّم اليابس، هكذا علق ابن الله في لهيب غضب الدَّيْنُونَة عوضاً عنَّا، وتألَّم بهلاكنا. كان يَسُوع إنساناً حقّاً، وعطش عطشاً طبيعيّاً. ولكنَّه لم يعترف بعطشه إلاَّ عندما علم أنَّ عمله الخلاصي على الصَّلِيْب قد تمَّ. وعندئذٍ أوحى الرُّوْح القُدُس له أنَّ خدمته الفدائيَّة كانت معلنةً قبل ألف سنةٍ في المزمور 22: 13- 18، وأنَّ شرب الخلِّ كان مذكوراً في المزمور 69: 21 وكذلك الاستهزاء به في المزمور 69: 22 ولا نعلم هل قدَّم الجنود ليَسُوع خلاًّ صافياً، أو ممزوجاً بالماء؛ احتقاراً له، أو رثاءً لحاله. ولكنَّنا نعلم أنَّهم لم يُقدِّموا له ماءً صافياً في الاسفنجة. فكان يَسُوع ابنُ الله في تلك اللَّحظة بدون عونٍ.