Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
19:8فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً.9فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً.10فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ أَمَا تُكَلِّمُنِي. أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ.11أَجَابَ يَسُوعُ لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيئة أَعْظَمُ.


كان بيلاطس غير متيقِّنٍ مِن شخصيَّة يَسُوع. فاستقامة يَسُوع ومحبَّته وطهارته لم تخفَ على الوالي. ولكن حين سمع بيلاطس فجأةً أنَّ يَسُوع كان معتبَراً ليس ملكاً فقط، بل ابن الله، فزع لأنَّ اليونانيين والرومان كانوا يظنون أنَّ السَّماوات ممتلئةٌ بالأرواح والآلهة الَّتي تتجسَّد أحياناً وتجول بين النَّاس. فأوجس خيفةً مِن أن يكون قد ظلم إلهاً في هيئة إنسانٍ، فسأل يَسُوع بقلقٍ واضطرابٍ: "مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟"
فلم يستغلّ يَسُوع هذه الفرصة الفريدة لينجو بحياته، ولا بنى تحريره على إخافة الوالي الروماني مِن الأرواح، ولا أظهر نفسه أنَّه القادر على كلِّ شيءٍ، بل صمت صمتاً ناطقاً. وكان صمت ابن الله هذا أمام سؤال الوالي مثيراً للغاية. فالله لا يُجيب عن أسئلة العقل المنطقيَّة، ولا عن حبِّ الاستطلاع التَّطفلي، بل يُعلن ذاته للمؤمن الواثق به. لم يكن المَسِيْح على استعدادٍ لتصنيف نفسه كإلهٍ مِن جملة آلهة الرومان واليونانيين وأرواحهم، ولا إدراج اسمه في جدول السِّحر والعرافة الَّذي في عقليَّة بيلاطس، لأنَّ الله مختلفٌ كلَّ الاختلاف عن تصوُّرات الرومان واليونانيين.
وأمام صمت يَسُوع، غضب بيلاطس، وقال باستهزاء: "ألا تُريد أن تجيب أيُّها الصّعلوك؟ ألا تعلم أنَّ لي سلطاناً أن أقتلك وأن أُطلقك؟ إنَّك تحت تصرُّفي، وأعداؤك يطلبون صلبك، وأنا وحدي القادر على أن أُخلِّصك. فأنا الكلّ بالكلّ. لماذا لا تسجد لي وتُكرمني بخوفٍ؟"
فابتسم يَسُوع عندئذٍ بمرارةٍ، وأجابه قائلاً: "صحيحٌ أنَّ في يدك السُّلطة، لأنَّ أبي أعطاك هذه السُّلطة. ولكنَّك عقيمٌ في ذاتك، وسيظهر عقمك بعد دقائق في حكمك الظَّالم. والرومان كلُّهم غير مقتدرين. أبي الَّذي في السَّماء قادرٌ على كلّ شيء، وأنا كذلك. ولا سلطة على الأرض إلاَّ بإذنه."
إنَّ هذه السلطة الَّتي يأذن بها الله كثيراً ما تؤدي إلى الهلاك، كما عند بيلاطس. فالرَّبُّ يُدير التاريخ بطريقته الإلهية، ولكنه يتيح للناس أن يتحمَّلوا مسؤوليَّة أَعْمَالهم، لأنَّ المستقبل ليس محكوماً بقضاء وقدرٍ. لذلك أنت مسؤولٌ عن قراراتك وتصرُّفاتك مع الآخَرين، وسيُجازيك الرَّبُّ على أَعْمَالك كلِّها. فحذارِ أن تُعثِر أحداً مِن الصِّغار المؤمنين، لأنَّ المَسِيْح يقول: "مَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ."
قال يَسُوع لبيلاطس: "لقد ارتكبتَ خَطِيئة جسيمةً، ولكنَّك لستَ وحدك المُذنب. فالجميع عالقون في شبكة الإثم. أنت لا تريد أن تصلبني، ولكنَّ جبنك وخوفك مِن قَيَاْفَا هما اللذان يجعلانك تحكم بإدانتي." لقد كان ذنب رَئِيْس الكَهَنَة أفظع مِن ذنب بيلاطس، لأنَّه أراد أن يصلب يَسُوع بسبب الغيرة والبغضة. وتعاظم ذنب قَيَاْفَا لأنَّه بحُكم وظيفته كرَئِيْس الكَهَنَة كان يُفترض به أن يُظهر رحمةً وشفقةً بالخطاة، ليُصالحهم مع الله. ولكنَّه كان ملبوساً بالأرواح الشِّريرة، فأبغض يَسُوع حتِّى الموت.