Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
20:17قَالَ لَهَا يَسُوع لاَ تَلْمِسِينِي لأَِنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ.18فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّة وَأَخْبَرَتِ التَّلاَمِيْذ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هَذَا


خرَّت المَجْدَلِيَّة ليَسُوع ساجدة، وحاولت أن تُقبِّل رجليه وتلمسه، فتتمسَّك به ولا تتركه أبداً. ولكنَّ يَسُوع منعها مِن لمسه، لأنَّ محبَّته روحيَّةٌ. لقد منحها صوته وحضوره، وأراد أن ينمو إيمانها بواسطة اتِّحادها بالثَّالُوْث الأَقْدَس. وهذا هو المبدأ الَّذي كان قد أوضحه في خطابه الوداعي لتلاميذه منذ أيام قليلة. فالَّذي يُنشئ الاتِّحاد به ليس لمسه، بل الإيمان بكيانه الرُّوحِيّ.
وقال يَسُوع للسَّاجدة أمامه إنَّه لن يبقى هنا على الأرض بعد موته، وأنَّ ظهوراته ستكون مرحليَّةً فقط في مسيرته إلى السَّماء. فهدفه هو الصُّعود والرُّجوع إلى أبيه. وقد أضحى طريق العودة إلى الله الآن مفتوحاً، بعدما بذل ذاته على الصَّلِيْب. لقد عزم رَئِيْس الكَهَنَة هذا على تقديم ذبيحته الدموية للقُدُّوْس، لكي تنزل بركة الذبيحة بواسطة حلول الرُّوْح القُدُس على جميع المُصلِّين إليه. لقد أراد أن يقول للمَجْدَلِيَّة: لا تمسكي بي، لأنَّه ينبغي أن أُكمل كلَّ برٍّ. سوف أحفظك بشفاعتي، وأملأك بقوَّة الرُّوْح القُدُس."
وكلامه هذا يفيد أنَّه لا يخصُّها وحدها، بل يخص جميع البشر، "فدَعيني، وثقي بي واتَّكلي على حمايتي، وعودي إلى التَّلاَمِيْذ، وأخبريهم بكياني ومقاصدي وصعودي." لقد استخدم يَسُوع طالبة الله مباشرة لخدمة الشَّهادة، كيلا تتباطأ في التَّمتّع الرُّوحِيّ والمعارف الفلسفية والراحة في حمايته، بل تندفع في محبَّته نحو النَّاس الآخرين، لتجد في تبشيرهم ملء النِّعمة والفرح. فكان إرسال المَجْدَلِيَّة الملبوسة سابقاً إلى الرُّسُل بمثابة توبيخ لهم، لأنَّهم لم يُحبُّوا يَسُوع إلى المنتهى حتَّى يجدوه، بل إنَّ هذه المرأة المحتقَرة هي الَّتي وجدَت بهاء المُقَام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ أوَّلاً.
عزَّى يَسُوع برسالته هذه التَّلاَمِيْذ بواسطة مريم، مسمِّياً جميع أتباعه إخوةً. فنحن أيضاً أصبحنا بإيماننا به إخوته وأخواته، ليس فقط بالآلام والصَّلِيْب، بل أيضاً بقيامته وحياته وروحه. وابن الله يدعونا بعد موته إخوةً، وليس أحبَّاء فقط، لأنَّ الخلاص قد تمَّ، وهو ثبَّتنا في حقوقه البنوية، ووقَّع صكَّ بنوَّتنا الإلهيّة بدمه الكريم.
فما هو مضمون الرِّسَالَة الَّتي طلب مِن مريم أن تنقلها شفهيّاً إلى الرُّسُل؟ أوَّلاً: أنَّه حيٌّ وليس ميتاً. فلقاؤهما كان حقيقةً تاريخيَّةً صادقةً. ثانياً: أنَّه لن يمكث طويلاً على الأرض، بل سيرتفع إلى الله لإكمال المجد. ثالثاً: أنَّ أباه هو أبونا جميعاً. وبهذا الوعد الأخير جذب يَسُوع تلاميذه إلى شركة الله الكاملة. فلم يُسمِّ الله إلهاً غريباً عظيماً ديَّاناً، بل أباً مُحبّاً قريباً. ولم يُسمِّه أباه هو فقط، بل أبانا نحن جميعاً أيضاً. وهذه هي أوَّل مرَّةٍ، في إِنْجِيْل يوحنّا، يُسمِّي فيها يَسُوع الآب السَّماوي "أبانا"، لأنَّ هذه التَّسمية أصبحت ممكنةً ومتحقِّقةً بعد الصلب.
إنَّ القرب مِن الله لا يعني خيالات صوفيَّة، ولا انجذاباً خارقاً، لأنَّ أبانا هو الإله الحَقِيْقِيّ المتعالي الَّذي مع علوِّه وارتفاعه سمَّاه المَسِيْح "إلهي"، بمعنى إلهه هو. وقد حقَّ له أن يدعوه إلهه، لأنَّه ثبت أَمِيْناً مع أبيه، بينما الخليقة كلُّها انفصلت بخطاياها عنه. ولكنَّه بصليبه وحَّدنا من جديدٍ بأبيه. فصار لنا الحقُّ أن نُسمِّي الله أيضاً "إلهنا"، لأنَّه ليس عدوَّنا بعد بسبب خطايانا السابقة، بل هو يُحبُّنا لغفرانه وفداء الصَّلِيْب. وكما ثبت المَسِيْح واحداً مع أبيه، هكذا يريد بواسطة انسكاب الرُّوْح القُدُس في قلوبنا أن نثبت في وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس، كي تفيض محبة الله مِنَّا.
هكذا وضع المُقَام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ وعد الشَّركة الكاملة مع الله على شفتَي المرأة الَّتي كانت أوَّل مَن أبصره بعد تغلُّبه على الموت. وكانت مريم المَجْدَلِيَّة مطيعةً؛ فلم تبقَ ساجدةً بفيض فرحها عند قدمي يَسُوع، بل نهضت وأسرعت إلى الرُّسُل شاهدةً بحقيقته.
وهذه الرِّسَالَة تُدوِّي اليوم مثل بوق فرح في قلوبنا الحزينة، فتتلقَّفها أوتار قلوبنا بتسابيح الطَّرَب. فهل بلغك فرح قبولك عند الله، وانتعاشك بحياته؟ هل تؤمن برسالة المَجْدَلِيَّة رسول المَسِيْح للتَّبشير بقيامته المجيدة؟

الصَّلَاة
نشكرك أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوع المُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، الحيّ الحاضر معنا، لأنَّك تدعونا إخوتك، ونحن غير مستحقِّين أن نعيش في شركةٍ قريبةٍ معك. نشكرك لأنَّك غفرتَ جميع ذنوبنا، وتبنَّيتَنا للآب؛ ونسجد لك لأنَّك أعلنتَ الله العَظِيْم أباً لنا، وقرَّبتَنا منه. اجعلنا رسل فرح القيامة، لكي نشهد بكيانك، وحضورك معنا، وحياتك الأَبَدِيّة لكلِّ مَن يطلبك.
السُّؤَال
ما هي رسالة المَسِيْح إلينا على لسان مريم المَجْدَلِيَّة؟