Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
20:22وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ اقْبَلُوا الرُّوْح القُدُس.23مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ. وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ


ربَّما فزع التَّلاَمِيْذ حين قال لهم الرَّبّ: "كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا"، لأنَّهم كانوا لا يزالون قابعين في غرفةٍ مقفلةٍ خوفاً من اليهود. فلم يجدوا في أنفسهم النشاط ولا القوَّة، بل اختبروا مؤخَّراً الإحباط والفشل. فأيّ أدواتٍ محطَّمةٍ يُريد المَسِيْح أن يُرسلها كسُفراء ومبشِّرين؟ إنَّه لا يختار أبطالاً ولا فلاسفةً ولا أتقياء، بل خطاةً ضعفاء جهَّالاً، لكي تعظم قوَّته في ضعفهم.
لذلك نفخ يَسُوع في وجوه تلاميذه، كما نفخ الله نسمة الحياة في أنف آدم عندما خلقه، ليصبح نفساً حيَّةً ويجد القوَّة على الحياة. فبواسطة هذا النفخ أعلن يَسُوع المَسِيْح نفسَه خالقاً. وقد بدأ خليقته الجديدة هذه في هؤلاء التَّلاَمِيْذ، مؤكِّداً لهم أنَّ روحه وقوَّته وسلطانه ستحلُّ فيهم حتَّى يمكنهم أن يُظهروا صورة الآب في حياتهم.
لم ينفخ يَسُوع في هيئة طيورٍ جَبلَها مِن الطين، فخلقها لتطير في الجو ككائناتٍ فانيةٍ، بل أشرك المؤمنين به وبجوهر الله، مُحقِّقاً غاية مجيئه.
وفسَّر المَسِيْح نفخته تلك بجملةٍ صريحةٍ وواضحةٍ وحاسمةٍٍ. فلم يقل: "لعلِّي (أو عسى أن) أعطيكم الرُّوْح القُدُس يوماً ما"، ولم يأمرهم بالصَّلاَة كثيراً حتَّى ينالوا قوَّة مِن الله، بل أمرهم أن يقبلوا قوَّة روح الله حالاً بقلبٍ مفتوحٍ. وهذه الهبة الفريدة تأتيهم مجَّانا، وما مِن خَطِيئة تمنع حلول الله في الإنسان منذ الصَّلِيْب، لأنَّ المَسِيْح بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ. فالرُّوْح القُدُس حاضرٌ في عالمنا الآن، ويُريد أن يدخل الإنسان. وغاية الرُّوْح القُدُس واضحةٌ. فمَن يَقبله؟ إنَّ هذا الرُّوح هو الله نفسه بكلِّ قواه وصفاته ومقاصده. وقد أمر المَسِيْح تلاميذه، بعبارته الهامة هذه، أن يُتيحوا له المجال ليُثبِّتهم في الثَّالُوْث الأَقْدَس، فلا يعترضوا على غاية موته.
أَخِي العَزِيْز، هل تؤمن بالمَسِيْح ابن الله الحي؟ وهل قبلتَ غفران خطاياك بموته على الصَّلِيْب؟ وهل سمعتَ وصيَّة المقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ؟ وهل أنت مستعدٌّ أن يُرسلك المَسِيْح إلى أناسٍ كثيرين، كي يحلَّ سلام الله في قلوبهم وفي بيوتهم؟ وهل انفتحتَ تماماً لمحبَّة الله، عالماً أنَّك غير مستحقٍّ وغير قادرٍ على خدمة الرَّبِّ؟ عندئذٍ ينفخ ابن الله في وجهك، قائلاً لك: "اقبل الآن الرُّوْح القُدُس". والله نفسه يسكن فيك ويحلُّ بملئه في شخصك، لأنَّ دم المَسِيْح قد طهَّرَك مِن كلِّ إثمٍ، وأعدَّ قلبك هيكلاً للقُدُّوْس.
هل امتلأتَ مِن روح الله؟ اعترف بجميع خطاياك أمام المُخلِّص، وافتح قلبك وذهنك وجسدك كلِّياً للرُّوح المُعزِّي المستعدّ أن يملأك. آمِن بوعد المَسِيْح، حتَّى وإن لم تشعر بأمواج الفرح والغبطة، لأنًَّ وعده أكثر يقيناً مِن عواطفك. اشكره لحلول الرُّوْح القُدُس في حياتك، حتَّى وإن لم تشعر به، فهو قد وهب لك هذه الهبة الإلهية عمليّاً، فهل قبلتَها؟
لم يلدك المَسِيْح ثانيةً كي تعيش منعزلاً غارقاً في أمواج الغبطة، بل منحك روحه تجهيزاً للخدمة الإلهيَّة. وكما لم يملك وهو المولود من الرُّوْح القُدُس غير هذه القوة، هكذا يُجهِّزك بقوَّة محبَّته لكي تُحبَّ كما أحبَّ هو.
إذا درستَ حياة المَسِيْح، ستلاحظ أمراً عجيباً، وهو أنَّ المَسِيْح شمل بخلاصه جميع البشر غافراً خطاياهم، ولكنَّ غالبية البشر لم يقبلوا غفران خطاياهم، بل قسّوا قلوبهم على إِنْجِيْله، حتَّى إنَّ كلمته لم تحلّ عقد خطاياهم، بل ربطت هؤلاء العصاة. وسوف تختبر أنت أيضاً أنَّ البعض ممَّن يسمعون شهادتك لنعمة الله الَّتي في المَسِيْح سيخلصون بواسطة إيمانهم بالمصلوب، بينما سيغضب كثيرون مِن رسالتك، ويُقاومونك، لأنَّ شهادتك الَّتي لم يستجيبوا لها، سيكون لها مفعولٌ عكسيٌّ في نفوسهم، فتربطهم بذنوبهم واستكبارهم وعماهم، فلا يستطيعون قبول الغفران بعد، ويهلكون إلى الأبَد. ولكن لستَ أنتَ مَن يحلُّ الخطايا ويربطها، بل الرُّوْح القُدُس هو الَّذي يعمل فيك وفي كلامك وفي صلواتك وسيرتك المقدَّسة، إن أنت انكسرتَ تماماً لاستكبارك، وسمحتَ للمَسِيْح أن يحلَّ خطاياك ويُطهِّرك إلى التَّمام. فاركع وصلِّ إلى مخلِّصك في الخفاء كي يُقدِّسك، ويتمكَّن مِن فداء كثيرين بواسطتك، لأنَّه يُرسلك كما أرسله الآب.
لا تقُل لجليسك: "مغفورةٌ لك خطاياك" إلاَّ إذا اعترف بخطاياه بندامةٍ وانكسارٍ، وآمن بالمصلوب، وسلَّم له زمام حياته تسليماً أَبَدِيّاً. عندئذٍ يحقُّ لك أن تؤكِّد له ملء النِّعمة بواسطة كلماتك البسيطة؛ لأنَّ الَّذي يظنُّ نفسه صالحاً وذكيّاً في ذاته، ولا يحتاج إلى الغفران باستمرارٍ، يُقسِّي قلبه على النِّعمة؛ فبشِّره بالدَّيْنُونَة لعلَّه يرتدع أو يتوب. فالله لا يُخلِّص المستكبرين المتفاخرين، أمَّا المتواضعون فيعطيهم نعمةً. هل أنت مِن المتكبِّرين، أم مِن الَّذين يدعوهم يَسُوع "المساكين بالروح"؟
يدعوك يَسُوع لتكون سفيره في هذا العالم الشِّرير، وهو يُريد أن يمنح قوَّة خلاصه بواسطتك. فلا تندفع بحماسك وبقدراتك المحدودة، بل ابقَ على اتِّصالٍ دائمٍ بربِّك، كما يبقى سفير أيِّ دولةٍ على اتصالٍ دائمٍ بحكومته، ليتلقَّى منها إرشاداتها وتعليماتها وأوامرها، كي يُنفِّذها بكلِّ دقَّةٍ. فأنت لستَ إلهاً مصغَّراً، بل أنت في الواقع عبدٌ لربِّك الَّذي يقصد فداء النَّاس بواسطتك. لِذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوْح القُدُس الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، بل افتحوا أذهانكم وضمائركم، كي يجعلكم الرُّوْح القُدُس شهوداً للمَسِيْح بجرأةٍ وتواضعٍ وحكمةٍ.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوع المَسِيْح، لستُ مستحقّاً أن تدخل تحت سقفي. إنَّما أنتَ الَّذي كلَّمتني ومنحتَني روحك القُدُّوْس، ونوَّرتني، وأحييتَني، وأرسلتَني شاهداً لك إلى العالَم. أنا جاهلٌ وغير قادرٍ على غفران خطايا النَّاس. ولكنَّ شهادتي لموتك وحياتك تخلق الإيمان في سامعي شهادتي. أشكرك لأنَّ قوَّتك تكمل في ضعفي. احفظني في تواضعٍ بلا رياءٍ، وطهِّرني مِن كلِّ فكرٍ منبثقٍ مِن ذاتي، كي أنسجم دائماً مع مشيئتك، فيَصِل سلامُك إلى كثيرين.
السُّؤَال
مَن هو الرُّوْح القُدُس؟ وما الَّذي يعمله بواسطة شهادتك للمَسِيْح؟