Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
3- ظُهور المَسِيْح بِحُضور تُوما
(يوحنّا 20 : 24- 29)
20:24أَمَّا تُومَا أَحَدُ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوع.25فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيْذ الآخَرُونَ قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ


لا تظنَّ أنَّ كلَّ منتقدٍ هو مقاومٌ للروح القدس، وأنَّ كل مَن يرفض شهادتك هو ضالٌّ وهالكٌ. يُرينا يوحنّا هنا مِن بين الأحداث الكثيرة، الَّتي وقعَت في الأربعين يوماً قبل صعود المَسِيْح، حدَثاً بارزاً يُظهر لنا كيف تخلق نعمة يَسُوع الإيمان في القلب البشري، لا بالأَعْمَال، ولا بالذكاء، ولا بالمنطق، بل بالنّعمة والرحمة وحدهما، حتَّى في المتعصِّب الغيور.
كان توما متشائماً لا يرى إلاَّ الجانب المُظلم مِن الأحداث؛ ويُحبُّ أن يتقصَّى أعماق الأمور ليصل إلى الحقيقة النَّاصعة (يوحنّا 11: 6 و 14: 5). وكان مفكِّراً أيضاً يُحلِّل الأمور بذكائه. وقد رأى في موت يَسُوع موتاً وشيكاً لهم، وفقداناً لمعنى حياتهم. فانفصل عن حلقة التَّلاَمِيْذ، ولم يشاهد يَسُوع عشيَّة الأحد عندما ظهر وسط أتباعه.
وقد سبَّب له غيابه عن الحلقة عند ظهور يَسُوع استياءً كبيراً، لأنَّه لم يعلم هل يظهر يَسُوع مرَّةً أخرى، علماً أنَّه لم يكن يثق بقدرات التَّلاَمِيْذ الآخرين على الإدراك، فلم يقتنع بما قالوه، لأنَّ روايتهم له فاقت استيعاب عقله. إنَّ قيامة يَسُوع، في الواقع، تُفجِّر كلَّ نظامٍ طبيعيٍّ، وتخطيطٍ عقليٍّ. ولعلَّ توما افترض في نفسه أنَّ تلك الرؤية تجربةٌ شيطانيَّةٌ، أو أنَّ روحاً شرِّيراً هو الَّذي ظهر للتلاميذ في هيئة المَسِيْح بقصد تضليلهم. لذلك لا عجب أن يطلب توما براهين مادِّية حسِّية لإثبات حقيقة الشخص الَّذي ظهر للتلاميذ الآخرين. فوجد أنَّ خير دليل هو أن يلمس آثار المسامير في يديه. وهكذا وضع شرطاً على الله حتَّى يؤمِن. فأراد أن يرى قبل أن يؤمن.
دارت أفكارٌ وتساؤلاتٌ كثيرةٌ في رأس توما خلال الأسبوع الأوَّل لصلب يَسُوع: هل كان الله ضدَّ النَّاصِرِيّ، حتَّى سمح بصلبه؟ هل كان البريء ملوماً وخاطئاً حتَّى تركه الله؟ لو كان قُدُّوْساً حقّاً لَما مات، ولَما تمكَّن الموت منه! ولكن ها هو الآن قد مات، فكيف يؤكِّد التَّلاَمِيْذ قيامته؟ ولئن صحَّت قصَّة قيامته، فقيامته إذاً ليست إلاَّ برهاناً قاطعاً على ألوهيَّته وقداسته وأَبَدِيّته، وعندئذٍ يكون هو وحده الغالب الوحيد للموت والخطيئة والشَّيْطَان وغضب الله ودينونته. اختلطت الأفكار في رأس توما، حتَّى لم يعرف أخيراً بماذا يُفكِّر؛ فاضطرب، وصلَّى، وتضايق مِن غموض المشكلة ومحدوديَّة عقله. ولكنَّه لم يُرد إيماناً أعمى.
ورجع حزيناً إلى حلقة التَّلاَمِيْذ الممتلئين فرحاً بظهور المَسِيْح لهم. وقال في نفسه: "لقد زارهم ولم يزرني. فأنا هالكٌ وغير مقبول". ورأى ذنوبه أمامه، وخطأ انفصاله عن الكنيسة، وتاب في مدرسة انتظار عون الله، مرتبكاً في أعماق قلبه.