Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
21:18اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلَكِنْ مَتى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لاَ تَشَاءُ.19قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يُمَجِّدَ اللَّهَ بِهَا. وَلَمَّا قَالَ هَذَا قَالَ لَهُ اتْبَعْنِي.


عرف يَسُوع قلب تلميذه بُطْرُس الغيور والمتهوِّر. وكثيراً ما نختبر هذا الاندفاع في عنفوان الشباب، وكذلك في بعض المؤمنين في بداية عهدهم بالإيمان. فما إن يختبروا الرُّوْح القُدُس حتَّى يهبُّوا وينطلقوا ليُخلِّصوا الآخرين. ولكنَّهم يخدمون بتحمُّسٍ بشريٍّ، وليس بإرشاد يَسُوع اللَّطيف المبني على الصَّلوات وتعاون الإخوة.
وتنبّأ يَسُوع لبُطْرُس بأنَّه لن يبقى واثقاً بنفسه بتقدُّمه في السن ونضجه الرُّوحِيّ، بل سيتطلَّع إلى إرشاد الرَّبِّ، ويستسلم له كأسير محبَّته، ولا يريد إلاَّ ما يريده هو. وإنكار الذات إلى هذه الدَّرجة يتطلَّب معرفة الضَّعف الشَّخصي، واكتشاف عدم القدرة في الذَّات، والجهالة. فالَّذي يتيقَّن بأنَّه لا يعرف شيئاً، ولا يقدر على شيءٍ، ولا يملك شيئاً، يشتاق إلى مخلِّصٍ، ويختبر في هدى يَسُوع وقوى قيامته أكثر ممَّا كان يختبره وهو في عزِّ شبابه وافتخاره بنفسه.
ولقد ثبت بُطْرُس حقّاً في هدى ربِّه، وبقي في أورشليم، ولم ينطلق إلى العالم كلِّه ليُبشِّر الأمم. وقَبِل المثول أمام المجلس اليهودي للمحاكمة، محتملاً ضربات السِّياط، كما أُلقي في قعر السِّجن مرَّاتٍ عديدةً حتَّى حرَّره ملاك الرَّبّ. وتوجَّه أيضاً، بأمر يَسُوع وإرشاده، إلى بيت كرنيليوس الضابط الروماني، حيث اكتشف أنَّ الرُّوْح القُدُس يحلُّ في الأمم الَّذين كانوا في نظر اليهود أنجاساً. وظلَّ بُطْرُس أميناً لهدى الرَّبّ، وشهد أمام إخوته في أورشليم بالحقِّ الجديد للأمم، ففتح بشهادته الباب على مصراعيه لتبشير الوثنيِّين.
وبعد إطلاقه مِن سجن هِيْرُوْدُس، جال بين الكنائس المؤسَّسة حديثاً، وبخاصَّةٍ بعدما ألقي ببولس في السجن. فزار زعيم الرُّسُل المَسِيْحيين الَّذين مِن أصل أممي، وشجَّعهم برسائله الأبوية. ويُخبرنا التقليد بأنه صُلب في روما أثناء الاضطهاد النِّيروني. وإذ اعتبر نفسه غير مستحقٍّ أن يُصلب كالرَّبّ، توسَّل إلى صالبيه أن يصلبوه رأساً على عقب. وقد ألمع يَسُوع إلى ميتته هذه، حين قال إنَّ بُطْرُس سيمجِّد الله في موته.
كان بُطْرُس قد أشار ليَسُوع سابقاً بأنَّه مستعدٌّ أن يبذل نفسه لأجل معلِّمه، فأجابه يَسُوع: "لاَ تَقْدِرُ الآنَ أَنْ تَتْبَعَنِي وَلَكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي أَخِيراً" (يوحنّا 13: 36). فأشرك يَسُوع تلاميذه بحضوره وقواه ومجده، ليكونوا واحداً معه ومع الآب والرُّوْح القُدُس، وأشركهم أيضاً في آلامه وموته الَّتي هي تمهيدٌ للمجد. فمِن هنا نُدرك مرَّةً أخرى أنَّ المجد المذكور في إِنْجِيْل يوحنّا لا يعني بهاءً وكرامةً بالمفهوم الدُّنيوي، بل ألماً وصليباً في سبيل المَحَبَّة. ولا شكَّ أنَّ بُطْرُس لم يستطع أن يمجِّد الله مِن تلقاء نفسه. ولكنَّ دم المَسِيْح طهَّره، وقوَّة الرُّوْح القُدُس قدَّسَته، حتَّى أنكر ذاته، وعاش للرَّب، ومات لتمجيده.
ولعلَّ بُطْرُس شعر بمرارةٍ واستياءٍ عند سماعه هذه النُّبوة. ولكنَّ ربَّه اخترق خواطره، وأمره كما يأمر الضابط جنديَّه قائلاً له باختصارٍ: "اتْبَعْنِي". وبقَدْر ما نتبع يَسُوع في حياتنا وفي مماتنا، نأتي بثمار محبَّته، ونُمجِّده، ونُقدِّس اسم الآب الحنون.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوع المَسِيْح، نشكرك لأنَّك لم ترفض بُطْرُس رغم إنكاره إيَّاك، بل دعوته لتمجيد الثَّالُوْث الأَقْدَس في حياته وموته. اقبل حياتنا نحن أيضاً، وطهِّرنا كي نضع إرادتنا بالتمام تحت إرشادك، ونحفظ وصاياك، ونحبّ أعداءنا، ونكرمك بإطاعة إيماننا إلى المنتهى، فتصبح حياتنا حمداً لنعمتك العجيبة.
السُّؤَال
كيف مجَّد بُطْرُس الله؟