Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
3:32وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا.33وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللَّهَ صَادِقٌ.34لأَِنَّ الَّذي أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللَّهِ. لأَِنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي اللَّهُ الرُّوحَ.35اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ.


الإنسان يَسُوع هو شاهد العيان لحقيقته السَّماوية. فقد عاين الله أباه حقّاً، وسمع كلماته، وهو عارفٌ أفكاره ومخطَّطاته. والابنُ هو كلمة الله النابعة مِن صميم الآب. فالوحي الَّذي جاء به كاملٌ. وإنَّنا نرى الوحي الَّذي جاء به الأنبياء ناقصاً، ولا يخلو مِن أفكارٍ دنيويَّة. أمَّا يَسُوع فهو إعلان مشيئة الله النِّهائية التَّامة. إنَّه الشَّاهد الأمين الَّذي صار في تأدية شهادته شهيداً، لأنَّه مجَّد أباه وأعلن ذاته ابناً. ولكنَّ أكثريَّة النَّاس، للأسف، يرفضون شهادته حتَّى اليوم، فهُم لا يريدون إلهاً قريباً، لأنَّ ذلك يقتضي تغيير حياتهم. إنَّهم يريدون أن يتظاهروا بالاستقامة، وفي الوقت نفسه يستمرِّون في خطاياهم سِرّاً. وعندما يضيقون ذرعاً، ينفجرون بوحشيَّة كالذِّئاب المفترسة ويدوس بعضهم بعضاً. لا يغفرون لخصومهم، بل ينتقمون منهم. يرفضون روح المَسِيْح، ولا يريدون أن يكونوا حملاناً وديعةً، فيرفضون بنوَّة يَسُوع، ويُنكرون أبوَّة الآب، لأنَّهم لا يريدون الامتلاء بروح محبَّته.
نحمد الله أن ليس جميع النَّاس مبغضين لله ولروحه، فهناك نخبةٌ تُدرك الآب في الابن، وتَقبل ذبيحته الكاملة. فمَن آمن بإعلانه وفدائه يُكرم الله، ويُمجِّد ينبوع كل حمدٍ. فالله لا يكذب، والابن ليس إلاَّ الحقّ بكلِّيَّته. لم يُعلن الآب خلاصة أفكاره في دستورٍ أو سِفْرٍ، بل في شخص يَسُوع. فمَن يَقبل الابن يَقْبَل الله، ومَن يفتح قلبَه لروح كلامه يتجدَّد، ويظهر بذلك جوهر الله، ويُقدِّس اسمه الأبوي. فالمَسِيْح يدعوك، ليس لتقول الحقَّ فقط، بل لتعيشه وتعمله؛ فيصبح إِنْجِيْله متجسِّداً فيك، ومُبرهِناً حقَّ الله وجوهره.
لم يَنطق يَسُوع بأوهامٍ أو ألغازٍ أو أمانٍ، بل كان كلامه خلاَّقاً رائعاً واضحاً، فالله نفسه تكلَّم في ابنه، وكان ملء اللاَّهُوْت حاضراً في المَسِيْح بينَّنا جسديّاً. فالروح الحالُّ فيه غير محدودٍ، والآب وهب له كلَّ حكمته وكلَّ سلطانه.
لقد أحبَّ الآبُ الابنَ، ودفع إليه كلَّ شيءٍ. فمحبَّة الله مُعطيةٌ واهبةٌ لا تستبقي لنفسها شيئاً. والابن لا يُكرم نفسَه، بل أباه تجاوباً وشُكراً. فلا مجال للسّؤال: "أيّهما أكبر: الآب أم الابن؟" لأنَّ هذا السُّؤَال مِن الشَّيْطَان. الشِّعار الإلهيٌّ هو أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الأقانيم الرَّبانية الثلاثة يُعظِّم الآخر ويُكرمه ويُكرِّس نفسَه له. ومَن يجهل هذا المبدأ يجهل الله. فالآب لم يَخْشَ أن يستغلَّ الابن السُّلطة المدفوعة إليه، لأنَّ الآب عرف الابن وعرف تواضعه وطاعته وخضوعه الطَّوعي المُطلَق، فوثق به، واستودعه الكونَ كلَّه. فالمَسِيْح هو المالك الرَّئيس على الجميع، كما قال: "دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ".