Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
3:4قَالَ لَهُ نِيْقُودِيْمُوس كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ. أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ.5أَجَابَ يَسُوع الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوْت اللَّهِ.


حارَ نِيْقُودِيْمُوس في جواب المَسِيْح له المتضمِّن تجهيله في معرفة الله، وهو النَّائب والحكيم والبارّ، وما كان قد سمع بالوِلاَدَة الثَّانِية مِن قبل. وإذ كان قد بدأ حديثه مع المَسِيْح بكلمة "نَعْلَم" الدَّالَّة على التَّباهي والاعتداد بالنَّفْس، سَخِر بعد جواب المَسِيْح مِن الفكرة بأنَّ الشَّيخ يُمكن أن يعود ثانيةً إلى بطن أمِّه. فهل كان نِيْقُودِيْمُوس قصير النَّظَر حتَّى أنه فهم جواب المَسِيْح على نحوٍ حسّي وسطحيّ، ولم يفهم أنَّ الله آبٌ يُريد أن يكون له أولادٌ بروحه؟ لم يُدرك نِيْقُودِيْمُوس، رغم كلِِّ تقواه، هذا الفكر الإلهي، ولم يرَ الشَّرط الأساسي لمَلَكُوْت الله.
أحبَّ يَسُوع نِيْقُودِيْمُوس، وبعدَما قاده إلى الاعتراف بأنَّه لم يعرف مَلَكُوْت الله ولا السَّبيل إليه، عمَّق هذا البيان أكثر مؤكِّداً لنِيْقُودِيْمُوس أنَّه حقٌّ ويقينٌ أنَّ الإنسان لا يقدر أن يدخل مَلَكُوْت الله بدون ولادة ثانية. فعلَينا أن نؤمِن بهذا القول الجوهري لأنَّه الشَّرط الوحيد للدُّخول إلى الحياة مع الله.
ما هي الوِلاَدَة الثَّانِية؟ إنَّها ولادةٌ وليست مجرَّد فِكرٍ. وهي لا تصدر عن عمل الإنسان، كما لا يستطيع أحدٌ أن يلد نفسه، بل يلده والدان يمنحانه الحياة. وهكذا الله الوالد ومانح الحياة الرُّوحِيّة. فالوِلاَدَة الثَّانِية نعمةٌ، وليست إصلاحاً للحياة القديمة، ولا تهذيباً اجتماعيّاً، لأنَّ كلَّ إنسانٍ شرّيرٌ منذ حداثته، ولا رجاء لتحسينه. أمَّا الوِلاَدَة الرُّوحِيّة فهي حلول حياة الله في الإنسان.
كيف تتمُّ الوِلاَدَة الثَّانِية؟ قال يَسُوع لنِيْقُودِيْمُوس إنَّها تحصل بالماء والرُّوح. وقد دلَّ بكلمة "ماء" على مَعْمُودِيَّة يُوْحَنَّا، وأجران التَّطهير الكبيرة في عرس قانا. فكلُّ عضوٍ في العهد القديم يعلم أنَّ الماء المستعمَل للغسلات والمعموديَّات هو رمزٌ للتِّطهير مِن الخطايا. فبواسطة هذه الكلمة سأل يَسُوع النَّائبَ بطريقةٍ غير مباشَرةٍ: "لماذا لم تنزل إلى المَعْمَدَان معترفاً بخطاياك، وتُمارس المَعْمُودِيَّة رمزاً لإماتة أنانيتك؟ لأنَّنا بدون دينونة النَّفْس لا نَدخُل مَلَكُوْت الله". وقد قال المَسِيْح في مناسبةٍ أُخرى: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي". فيا أَخِي العَزِيْز، اعترِف بذنوبك، واقبَل حُكم الله على خطيئتك بالموت، لأنَّك فاسدٌ هالكٌ.
لم يتوقَّف يَسُوع عند المَعْمُودِيَّة بالماء للتَّوبة والغفران، بل عمَّد التَّائبين بالرُّوْح القُدُس، خالقاً الحياة الجديدة في المنكسرين. ونحن بَعد صلب المَسِيْح نَعلم أنَّ تطهير ضمائرنا يتمُّ بدمه الثَّمين. ويتحقَّق هذا التَّطهير في التَّائب بواسطة إرشاد الرُّوْح القُدُس. وحيث يُطيع الإنسانُ جذبَ الرُّوْح القُدُس، يمتلئ بالحياة الأَبَدِيّة وثمارها وصفاتها، ويُصبح إنساناً صالحاً حسب قدوة المَسِيْح. وهذا التَّطوُّر لا يَحدث فجأةً، بل يحتاج إلى وقتٍ كافٍ. فكما ينمو الجنين تدريجيّاً في بطن أمِّه، ثُمَّ يُولَد حقّاً، هكذا تصير الوِلاَدَة الثَّانِية وتتحقَّق عمليّاً في المؤمِن الَّذي يَعلم يقيناً أنَّه وُلِد مِن جديد، وأنَّ اللهَ أبوه، وأنَّ له في المَسِيْح الحياة الأَبَدِيّة.
جعل يَسُوع مَلَكُوْت الله هدف كرازته، وخلاصة جميع اجتهاداته. فما هو هذا المَلَكُوْت؟ إنَّه ليس هيئةً سياسيَّةً اقتصاديَّةً نظريَّةً، بل يعني منذ حلول الرُّوْح القُدُس وحتَّى مجيء المَسِيْح المقبل، شركة المولودين ثانيةً في الآب والابن والرُّوْح القُدُس. وهذا الروح المبارك يحلُّ فيهم، لأنَّهم سلَّموا أنفسهم للمَسِيْح، واعترفوا بأنَّهم ملك الله، وهو مالكهم، وهم يطيعون أوامره. فهُم وحدةٌ روحيَّةٌ مع أبيهم السَّماوي.
لذلك نعترف أمامك، أيُّها الأخ القارئ، بأنَّ مَلَكُوْت الله هو الأجمل والأمجَد والأقوى في عالمنا. وهو غير مخلوقٍ، بل مولود مِن الرُّوْح القُدُس. فاطلُب أوَّلاً مَلَكُوْت الله وبِرَّه كي لا تضلّ.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوع المَسِيْح، أشكرك لأنَّك ولدتَني ثانيةً بنعمتك فقط، وفتحتَ لي عيني الرُّوحِيّة لأرى أباك وأبانا. أنت تُثبِّتُني في محبَّتك. افتح أعين جميع الَّذين يطلبونك حقّاً، لكي يعرفوا خطاياهم، ويعترفوا بها، ويُبغضوها، ويتجدَّدوا بقوَّة روحك القُدُّوْس على أساس دمك الثَّمين المسفوك، ويدخلوا إلى شركةٍ أَبَدِيّةٍ معك.
السُّؤَال
ما هو الفرق بين تقوى نِيْقُودِيْمُوس وهدف المَسِيْح؟